شهدت سنة 1971م تراجع مكانة الولايات المتحدة الإقتصادية والعسكرية والسياسية على المستوى العالمي وذالك لمجموعة أسباب. أول تلك الأسباب أن تلك السنة شهدت نهاية إتفاقية بريتون وودز التي عقدت سنة 1944 والتي ضمنت للدولار مكانه كعملة إحتياطية عالمية مقابل ربطه بالذهب 35 دولار للأونصة. ثاني تلك الأسباب هو حرب فيتنام التي أصبحت تراوح مكانها بدون نصر عسكري حاسم. ثالث تلك الأسباب هو مناخ من عدم الثقة بين الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا واليابان خصوصا بعد تخليها عن إتفاقية بريتون وودز وإتخاذ بعض الدول الغربية موقفا محايدا من الصراع في الشرق الأوسط وقضية فلسطين.
من الناحية الصناعية والإقتصادية فإن الولايات المتحدة قد شهدت تراجعا تدريجيا وصل لذروته في تلك السنة بسبب تقادم وتهالك البنية الصناعية والتي شهدت تقدما ملحوظا أثناء الحرب العالمية الثانية والفترة التي تلتها حتى منتصف الستينيات. أحد الأسباب هو الدمار الذي لحق بأوروبا وأسيا بسبب الحرب بينما بقيت الصناعة الأمريكية سليمة والولايات المتحدة بعيدة عن أثار الحرب المدمرة. ولكن بفضل توفر الحماية العسكرية الأمريكية وخطة مارشال لإعادة إعمار أوروبا فقد تمكنت الدول الأوروبية خصوصا ألمانيا الغربية, إيطاليا, فرنسا وفي أسيا اليابان من إعادة بناء إقتصادياتها وفق أحدث المعايير التكنولوجية مما أدى إلى بداية إختلال الميزان التجاري لصالح تلك الدول وتزايد مطالباتها منذ منتصف الستينيات بمبادلة كمية الدولارات التي راكمتها بالذهب بموجب إتفاقية بريتون وودز. في الفترة التي سبقت ذالك فإن الولايات المتحدة كانت تمتلك تقريبا 70% من الذهب في العالم لأنها كانت تشترط الدفع بالذهب مقابل الأسلحة والذخائر والإمدادات التي كان تقوم بتزويد حلفائها بها أثناء الحرب العالمية الأولى والثانية. إستمرار نزيف السبائك الذهبية من الولايات المتحدة لصالح دول أوروبية مثل فرنسا, هولندا, إيطاليا قد أدى إلى خطاب الرئيس الأمريكي الشهير بتاريخ 15\أغسطس\1971 الذي لمح فيه إلى مايشبه المؤامرة على الإقتصاد الأمريكي.
الدول الغربية فقدت ثقتها بالدولار بسبب خوفها من التضخم الذي تسبب به قيام الحكومة الأمريكية بزيادة كمية الدولار المطبوعة من أجل تغطية نفقات حرب فيتنام وخطة الرئيس الأمريكي ليندون جونسون التي عرفت بالمسدس والزبدة(Guns and Butter) والتي أدت إلى زيادة كبيرة في الإنفاق على برامج الرعاية الإجتماعية وزيادة الإنفاق العسكري في الوقت نفسه. كما أنه كانت هناك موجة شراء للشركات الأوروبية من شركات في الولايات المتحدة بإستخدام دولارات تتضائل قيمتها تدريجيا مع مرور الوقت. كمية الذهب التي كانت بحوزة بنك الإحتياطي الفيدرالي الأمريكي إنخفضت من 25 مليار دولار إلى ماقيمته 12.5 مليار دولار بحلول سنة 1971م.
بحلول سنة 1973 كان الدولار الأمريكي قد فقد 40% من قيمته أمام عملات مثل المارك الألماني بسبب موجة بيع بدأت إثر قرار ريتشارد نيكسون التخلي عن إتفاقية بريتون وودز. ولكن إنحدار قيمة الدولار الأمريكي لن تستمر وسوف تأخذ منحا عكسيا في الشهور القليلة القادمة.
في مايو\1973 تم عقد إجتماع من قبل أربعة وثمانين(84) من نخبة رجال السياسة والمصارف والأعمال وكبار منتجي النفط في العالم في منتجع مملوك لأسرة والينبرغ(Wallenberg) التي تعمل في مجال البنوك والمصارف في السويد في جزيرة منعزلة تدعى(Saltsjöbaden). الإجتماع المغلق لمايعرف بمجموعة (Bilderberg) إستمع لموظف سابق كان يعمل في مكتب الخدمات الإستراتيجية الأمريكي(OSS) يدعى والتر جي ليفي(Walter. J. Levy) بخصوص إرتفاع وشيك يبلغ 400% في مداخيل الدول الأعضاء في منظمة أوبك. الهدف من ذالك الإجتماع الذي شارك فيه وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيسنجر كان ليس محاول منع ذالك الإرتفاع الوشيك في أسعار النفط بل كيفية الإستفادة من تلك المداخيل الضخمة خصوصا لمصلحة الولايات المتحدة فيما أطلق عليه وزير الخارجية الأمريكي إعادة تدوير البترو-دولار (Recycling The Petrodollar).
والتر جي ليفي(Walter. J. Levy) كان لاجئا ألمانيا في الولايات المتحدة عمل مع مكتب الخدمات الإستراتيجية الأمريكي(OSS) حيث قام برسم خرائط دقيقة لكافة المنشئات التي تقوم على إستخراج الوقود الصناعي من الفحم. بعد إنتهاء الحرب فقد عمل والتر ليفي مع مكتب هيئة الأركان الأمريكية المشتركة وفي الفترة بين 1948-1949 فقد كان مسؤولا عن مكتب النفط في إدارة التعاون الإقتصادي المسؤولة عن تطبيق خطة مارشال حيث أشرف على تمكين شركات نفط روكفلر من السيطرة على قطاع النفط والطاقة على الساحة الأوروبية.
إجتماع مجموعة البيلدبيرغ(Bilderberg) بدأ في مايو 1954 في أحد الفنادق الهولندية والذي تم تسميته لاحقا فندق البيلدبيرغ حيث تجتمع النخبة السياسية والإقتصادية الأوروبية من كبار رجال المصارف والبنوك والعلماء وخصوصا ممن كانوا على علاقة مباشرة بإمبراطور النفط التي تمتلكها أسرة روكفيلر. إجتماعات البيلدبيرغ من المفترض أنها سرية ويتم حضورها بواسطة دعوة مرسلة بالإسم وتسلم باليد للشخص المعني حيث أنه عندما يتم الإتفاق على قرارات وأجندات الإجتماع فإن المشاركين فيه يستغلون أي فرصة تتاح لهم لإعطاء تصريحات صحفية أو تنفيذ تلك الأجندات المتفق عليها بدون ذكر أي البيلدبيرغ. قائمة المدعوين بالطبع كانت تتغير من سنة لأخرى ويتم إختيارها وبدقة شديدة.
إجتماعات البيلدبيرغ تعتبر من أفضل أليات صناعة القرار حول العالم في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية حيث أن الهدف منها هو مشاركة شخصيات أوروبية بارزة بما يخدم التحالف الأنجلو-أمريكي وخصوصا أهداف الولايات المتحدة السياسية والإقتصادية.
الإجتماع الذي تم عقده في مايو\1973 ناقش بشكل رئيسي مسألة إعادة التوازن للدولار الأمريكي الذي يواصل الهبوط مقارنة بأسعار صرف العملات الأخرى بعد قرار الرئيس ريتشارد نيكسون الشهير بفك إرتباط الذهب بالدولار بشكل نهائي. الإجتماع تم بمشاركة ممثلين عن كبار رجال البنوك والمصارف وشركات النفط التي كان لها مصلحة في دولار قوي خصوصا بنوك وول ستريت والمرتبطة بشركات النفط.
في عالم لم يعد فيه الدولار مدعوما بغطاء ذهبي وخسر حوالي 40% من قيمته فإن القرار الذي تم إتخاذه من أجل رفع قيمة الدولار هو تخفيض قيمة العملات الأخرى عن طريق تخفيض النمو الإقتصادي القوي لبلدان مثل ألمانيا. إن ذالك يذكرني بأزمة اللاجئين التي تعاني منها ألمانيا حاليا حيث إستقبلت مليون لاجئ والبعض يظن أنه حركة اللاجئين هي عفوية وأن 30 ألفا من المهربين يعملون بعفوية وينسقون على جروب واتس أب وأن التسامح الألماني إستقبل اللاجئين بعفوية وان الطيبة والكرم والتسامح الألماني هو كله عفوي. فائض الميزانية الألماني هذه السنة بلغ ضعفي المتوقع حيث بلغ 12 مليار يورو بدلا من 6 مليار يورو وهو يعني بداية التعافي من أزمة اليورو وإستعداد ألمانيا لإمتصاص أي صدمات إقتصادية قادمة بإعتبارها القوة المحركة للإتحاد الأوروبي وصاحبة أقوى إقتصاد فيه فكان لابد من إشغالها وإنهاكها إقتصاديا وليس هناك أفضل من إيجاد أزمة اللاجئين من العدم لإستنزاف الإقتصاد الألماني.
ومن أجل تحقيق غايتهم فقد قرر المجتمعون في (Saltsjöbaden) وعلى وجه الخصوص ممثلي الشركات النفطية إستخدام سلاح النفط من أجل تحقيق غايتهم.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
نهاية الجزء الأول
No comments:
Post a Comment