هنري كيسنجر الملقب بالثعلب والذي كان شغل مناصب في الحكومة الأمريكية مثل وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون تولى المهمة الرئيسية للتأكد من سير الأحداث بالإتجاه الذي تم الإتفاق عليه في ذالك الإجتماع بدون إثارة الشكوك حول دور المصالح النفطية والبنكية الغربية وأنها المحرك الرئيسي للأحداث.
بتاريخ 16\أكتوبر\1973 في إجتماع منظمة الدول المصدرة للنفط(الأوبك) والذي عقد في فينا فقد تم إتخاذ قرار بزيادة سعر برميل النفط 70% إلى 5.11 دولار\برميل مقارنة بسعره السابق 3.01 دولار\برميل. وفي نفس اليوم تم إتخاذ قرار بحظر تصدير النفط إلى الولايات المتحدة وهولندا التي كانت تعتبر الميناء النفطي الرئيسي لدول غرب أوروبا. وفي اليوم التالي 17\أكتوبر فقد تم إتخذت أوبك قرار بتخفيض الإنتاج 5% من مستوياته في شهر سيبتمبر والإستمرار بنفس نسبة التخفيض كل شهر حتى إستعادة حقوق الشعب الفلسطيني وإقامة دولته على أراضي 1967.
في إجتماع أوبك من شهر ديسمبر\1973 فقد تم وبناء على طلب شاه إيران برفع سعر برميل النفط إلى 11.65 دولار\برميل وهو مايعادل 400% زيادة في مستوى سعره. الطلب الذي تقدم به شاه إيران محمد رضا بهلوي كان بالتنسيق في وقت سابق مع هينري كيسنجر الذي كان يعمل لتحقيق أجندات إجتماع (Saltsjöbaden).
الملك السعودي الراحل فيصل تلقى إجابة فاجئته حين أرسل وزير النفط السعودي وأمين عام منظمة الأوبك الشيخ أحمد زكي اليماني لسؤال شاه إيران عن سبب تقدمه بطلب لرفع سعر برميل النفط بتلك النسبة التي كانت سوف تضر بالإقتصاديات الغربية بما يتعارض مع مصالح أوبك. الإجابة كانت بإختصار(إسألوا هنري كيسنجر). العلاقة بين شاه إيران والشركات النفطية الأمريكية والبريطانية كانت أكثر من وثيقة خصوصا بعد الإنقلاب على حكومة مصدق وإعادته للسلطة حيث تلقى عدة أشخاص ومؤسسات صحفية وغربية هبات مالية من مؤسسة بهلوي(Pahlavi Foundation). متانة تلك العلاقة وصلت لدرجة أنه في أثناء زيارة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون برفقة هينري كيسنجر لإيران سنة 1972 فقد تم السماح لشاه إيران بشراء كافة أنواع السلاح الأمريكي بإستثناء السلاح النووي وهو إمتياز لم يمنح لغير إيران في تلك الفترة. كما أن شاه إيران أمر بالإحتفاظ بالحسابات الرئيسية للحكومة الإيرانية, العائدات النفطية الضخمة إثر زيادة سعر برميل النفط والتي بلغت 400% بالإضافة إلى حسابات مؤسسة بهلوي في بنك تشيس مانهاتن(Chase Manhattan) والذي تسيطر عليه بشكل رئيسي أسرة روكفلر والتي كانت تعمل في مجال النفط. نفس البنك قام بمنح هينري كيسنجر إثر تركه العمل الحكومي منصبا في اللجنة الإستشارية الدولية للبنك.
في أواسط شهر أكتوبر\1973 أرسلت حكومة المستشار الألماني ويلي براندت(Willy Brandt) رسالة للولايات المتحدة متعلقة بالرغبة الألمانية في البقاء على الحياد فيما يتعلق بالصراع في الشرق الأوسط. هينري كيسنجر من ناحيته رفض السماح لحكومة ويلي براندت بإعلان الحياد وأرسل رسالة للمستشار الألماني تحمل تهديدا مبطنا بإستخدام السلاح النفطي ضد كل دولة أوروبية تعلن حيادها. المثير للإستغراب أن بريطانيا وهي لاعب رئيسي في منطقة الشرق الأوسط أعلنت وبموافقة أمريكية حيادها وبالتالي تمكنت من تجنب الأثار الإقتصادية للحظر النفطي الذي أعلنته دول الأوبك.
ثعلب السياسة الأمريكي سارع التدخل في الأزمة النفطية وذالك في سبيل جهوده لمنع الدول الأوروبية وبعض الدول الأسيوية من إتخاذ مبادرات فردية خارج الخطوط السياسية التي رسمتها الولايات المتحدة من أجل منحها إستقلالية أكبر للوصول إلى نفط الشرق الأوسط. التدخل الأمريكي في ظاهره كان للتنسيق مع الدول الأوروبية وفي باطنه من أجل الحفاظ على المصالح الأمريكية فتم تأسيس وكالة الطاقة الدولية(IEA) لخدمة مصالح كبريات الشركات النفطية والبنوك التي إستفادت من الإرتفاع المفاجئ في أسعار النفط.
منظمة الدول المصدرة للنفط(OPEC) خرجت إلى حيز الوجود سنة 1960 بعضوية خمسة دول هي إيران, العراق,الكويت,السعودية وفنزويلا. وفي سنة 1971 ضمت إلى عضويتها ستة دول هي قطر, أندونيسيا, الإمارات العربية المتحدة, ليبيا,الجزائر ونيجيريا. منظمة أوبك كانت تمتلك سيطرة إسمية على أسعار النفط التي كان يتم التلاعب بها من وراء الستار بواسطة كبريات شركات النفط العالمية والبنوك والسياسيين الغربيين وخصوصا الولايات المتحدة وبريطانيا التي كانتا تسيطران على طرق الملاحة البحرية التي كانت طريقة المواصلات الرئيسية لنقل النفط بواسطة الناقلات العملاقة.
أحد الأسباب المحتملة لتغاضي الولايات المتحدة عن منظمة الأوبك ونشاطاتها لفترة زمنية طويلة هو أن إلقاء اللوم على كتلة من الدول تنضوي تحت مظلة منظمة واحدة أسهل من التعامل مع 11 دولة واحدة تلو الأخرى. الوسائل الإعلامية الغربية ركزت هجومها على أوبك إثر الصدمة النفطية وخصوصا وزير النفط السعودي السابق الشيخ أحمد زكي اليماني حيث تم إتهام الأوبك بالجشع وأنها مسؤولة عن اسوأ أزمة نفط تواجه الدول الغربية والتي أدت إلى كساد إقتصادي وإجرائات تقشفية وطوابير طويلة أمام محطات الوقود خصوصا في الولايات المتحدة.
شركات النفط العملاقة مثل إكسون(Exxon) وشركات النفط البريطانية بدأت منذ سنة 1972 بتخفيض إمدادات النفط للأسواق الأمريكية والأوروبية للتمهيد للأزمة النفطية القادمة ومضاعفة تأثيراتها السلبية. والتر جي ليفي والذي ألقى كلمة في إجتماع (Saltsjöbaden) ذكر فيه الأزمة النفطية القادمة وإرتفاع أسعار النفط 400% قبل حلولها بستة أشهر قد قام في شهر تموز\1974 بكتابة مقال مهم في جريدة الشؤون الخارجية(Foreign Affairs) والتي كانت تعتبر تابعة لمجلس العلاقات الخارجية الذي كان يشغل ديفيد روكفلر منصب رئيس المجلس. المقال كان بعنوان (World Oil Cooperation or International Chaos) وفيه قام والتر ليفي بتوجيه أصابع الإتهام لحكومات الدول العربية المنتجة للنفط وعلى وجه الخصوص المملكة العربية السعودية بوصفها صاحبة أكبر قدرة إنتاجية وتخزينية بانها سيطرت بشكل كامل على صناعة النفط في بلدانها وأنها تتحكم في الأسواق وتقوم بتقنين إمدادات النفط بشكل متعمد. كما أن ليفي قام بالدعوة لسياسة تقليل الإعتماد على النفط المستورد وإيجاد برامج للطاقة البديلة فيما تبين أنها إحدى طرق القوة الناعمة التي تتبعها كبريات شركات الطاقة التي يعمل ليفي لحسابها والتي تحاول على الدوام إستخدام الطاقة كإحدى وسائل السيطرة والتحكم بالشعوب.
كما أن جريدة النيويورك تايمز نشرت موضوعا بتاريخ إبريل\1972 في سبيل التمهيد لأزمة الطاقة القادمة حيث طالبت بإجرائات تقشفية لمنع الهدر في إستهلاك الوقود.
الشركات النفطية الأمريكية والبريطانية على وجه الخصوص كان لها مصلحة في الإرتفاع المفاجئ في سعر النفط لأن ذالك جعل إستثماراتها في حقول النفط البحرية في البحر الشمالي وفي ألاسكا مجدية إقتصاديا حيث تم إستثمار مليارات الدولارات. حقول النفط الأمريكية في ألاسكا وحدها بلغت تقديرات كميات النفط المجدية إقتصاديا والتي تم إكتشافها فيها أكثر من 10 مليارات برميل حيث أدى المسح الجيو-فيزيائي للمنطقة إلى إكتشاف إحتمالية وجود عدد من حقول النفط الضخمة فيها.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
نهاية الجزء الثاني
No comments:
Post a Comment