Flag Counter

Flag Counter

Saturday, March 26, 2016

في عصر العولمة فإن المسافة المقطوعة تساوي نقودا

لنتخيل أحدنا يركب التاكسي ويبقي نظره مصوبا نحو العداد متسائلا إن كان معه مايكفي لتغطية الأجرة. في حال ذهاب أحدنا لأحد محلات البيع بالتجزئة المنتشرة في الوطن العربي مثل كارفور أو من يعيش في الدول الغربية هناك وول مارت أو مارك أند سبينسر, فقلما سوف يجد منتجا مصنوعا في البلد الذي يقيم فيه. إذا أردتم معرفة أهمية المسافة المقطوعة بين البلدان والطرق التجارية, فما عليكم إلا أن تقرئوا عن الأسباب التي دفعت دولا مثل إنجلترا وإسبانيا والبرتغال للإستماتة لإيجاد الطريق حول رأس الرجاء الصالح لتجنب المكوس(الضرائب) التي كان يفرضها المسلمون على السفن التجارية لتلك الدول حيث يجنون أموالا ضخمة من الضرائب.
إرتفاع أسعار النفط مرة أخرى سوف يكون له تأثير كبير على أسعار النقل وهي تشكل جزءا لا يستهان به من التكلفة الإجمالية للسلعة. إرتفاع تكلفة النقل في المستقبل القريب سوف تكون العائق الأكبر أمام نمو التجارة الدولية وليس التعرفات الجمركية. أما لماذا ذكرت إرتفاع تكلفة النقل في المستقبل القريب؟ لأن إنخفاض أسعار النفط الحالي وهمي حيث حدث فجأة بين ليلة وضحاها وليس حقيقي وهو ناتج عن عمليات تلاعب بما يسمى عقود المستقبليات وإشاعات عن تباطئ النمو الإقتصادي في الصين. من يشكك في ذالك عليه أن يسأل عن أسباب إرتفاع سعر وقود السيارات في بعض الدول والأسباب التي تدفع بعض الشركات لرفع أسعار بضائعها وخدماتها تحت ذريعة إرتفاع التكلفة. عن أي تكلفة يتحدثون والنفط إنخفض سعره من أكثر من 50%؟
إرتفاع أسعار النفط سوف يجعل الزمن يعود إلى الوراء في العصور السابقة حيث كانت حركة التجارة الدولية تشكل جزءا بسيطا من الحركة التجارية لأي بلد حيث كانت الأولوية للسوق الداخلية التي كانت محمية بتعريفات وقوانين تجعل عملية الإستيراد في حدها الأدنى. عمليات التبادل التجارية المحدودة كانت في أغلبها إقليمية وليست دولية حيث تتاجر الدول مع جيرانها وليس مع دول تقع في الطرف الأخر من الكرة الأرضية.
بالطبع هناك إستثنائات كأن تشتهر بلد ما ببضاعة معينة حيث إشتهرت الصين والهند وسيريلانكا بتصدير الشاي والبرازيل بالبن حيث يضرب فيه المثل حول العالم من ناحية الجودة واليونان بالزيتون وكوستاريكا ودول أخرى في أمريكا اللاتينية بالموز.
كل ذالك بدأ بالتغير بين سنتي 1960 و1970 حيث إرتفعت نسبة التصدير من إجمالي الناتج المحلي العالمي بنسبة 50% حيث تعافت دول مثل اليابان من أثار الحرب العالمية الثانية وأوروبا بسبب تطبيق خطة مارشال.
عشرات السنين من المفاوضات لتأسيس الإتحاد الأوروبي وكذالك المفاوضات الثنائية بين دول العالم المختلفة والتي أدت إلى إتفاقيات مثل إتفاقية الجات وإتفاقية النفتا أدت إلى إستفادة المصدرين والموردين ولكن ليس بدون أثار جانبية. العولمة والتي كانت من ثمراتها تلك الإتفاقيات لتحرير التجارة العالمية لها جانب أسود وإستغلالي. العمالة الرخيصة, ظروف العمل المزرية, التلوث البيئي, عمالة الأطفال, تدمير الصناعات المحلية وغيرها الكثير. بإختصار وللأسف أقولها أن على أحدهم أن يدفع الثمن. كنت أتمنى قول غير ذالك ولكن سلبيات العولمة طغت على إيجابياتها فوراء البضائع الفاخرة التي تملأ أرفف المتاجر, وراء الأسنان الذهبية التي يتفاخر بها الكثيرون, وراء عقود الألماس التي تزين أعناق سيدات المجتمع الراقي, وراء معاطف الفرو الفاخرة, وراء كل ذالك قصص بؤس وشقاء وإستغلال.
إن أحد أهم أسباب بروز الصين والهند كقوى إقتصادية يعود إلى قوانين تحرير التجارة وإتفاقيات الجات وأزالة التعريفات الجمركية.
يمكن إختصار مفهوم العولمة بشكل مبسط على النحو التالي: أحد الصناعيين يقوم بنقل مصنعه إلى دولة توفر له أرخص أيدي عاملة أو حتى يقوم بإستيراد مكونات إنتاج بضائعه بجزء بسيط من سعر تكلفته لو قام بإنتاجه في بلده. المعادلة بسيطة وهي أجور أعلى للقوى العاملة المحلية مقابل بضائع مرتفعة الثمن وبقوة شرائية أقل للعملة المحلية. الكثير من المنتجات التكنولوجية التي يتم التفاخر بها في الوطن العربي أنها من الإنجازات والإختراعات العبقرية تنتمي ما سبق ذكرته حيث هي عبارة عن صناعة تجميعية يتم إستيراد إجزائها من هناك وهناك ويتم تجميعها ومنحها إسما محليا.
كانت الصين خلال العقود الثلاثة الماضية تتمتع بميزة تنافسية بخصوص الأجور أكثر مما تتمتع  به حاليا ولكن كانت هناك مشكلة تحديد سقف الإستيراد والتعرفات الجمركية على البضائع المستوردة والتي أعاقت نمو الإقتصاد الصيني. لم يكن هناك ما يمنع أي شركة ترغب في نقل مصانعها للصين ولكنها سوف تواجه مشكلة في تصريف بضاعتها بسبب تكلفة النقل وتعرفات الحماية الجمركية. في سنة 1971 قام الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون بفرض ضريبة مقدارها 10% على كل البضائع الواردة للولايات المتحدة ولم يتم رفع الضريبة حتى تم إجراء إعادة تقييم للعملات الرئيسية مقابل الدولار مما أدى إلى إزدهار قطاع التصدير.
في رواية المصابيح الزرق للكاتب حنا مينا يصيح أحدهم مناديا على بضاعته من الرز بأسعار ماقبل الحرب فيرد عليه أحدهم, الجمل بقرش وقرش مافي. من الأثار السلبية للعولمة وإتفاقيات التجارة الحرة وإزالة تعريفات الحماية أن أصبح للشركات مطلق الحرية في أن تنقل مصانعها وأعمالها لأي بلد يتوفر على عمالة رخيصة لتحقيق أكبر قدر من الربح حيث أدى ذالك إلى تضائل نفوذ النقابات العمالية التي أصبحت تقبل بعقود منخفضة الأجور خصوصا في قطاعات مثل الفولاذ والسيارات.
ولكن نقل الشركات لمصانعها وأعمالها خارج حدود بلدانها إلى بلدان أسيوية حيث تتوفر على عمالة رخيصة ومصادر أولية من الممكن فهمه في إطار إنخفاض أسعار النفط وبالتالي إنخفاض أسعار الطاقة. في الفترة الأولى(1960-1973) التي شهدت بداية إزدياد حركة التجارة العالمية, فقد كان سعر برميل النفط 14 دولار. في الفترة(1978-2002) فقد تم تخفيض تعرفات الحماية الجمركية 30% كما أن سعر برميل النفط مازال في حدود المعقول حيث بلغ 25 دولار.
في الفترة بين الصدمة النفطية الأولى سنة 1973 و1979, فقد توقف نمو التجارة الدولية رغم تخفيض تعرفات الحماية الجمركية بنسبة 25% ولكن في الوقت نفسه فقد إرتفعت تكلفة النقل إلى ثلاثة أمثالها على الأقل. في الفترة التي أعقبت الصدمة النفطية الأولى فقد إنخفض حجم الصادرات الغير بترولية للولايات المتحدة بنسبة 6% في فترة خمسة سنين لاحقة حتى نهاية سنة 1978 وبداية سنة 1979 في الوقت نفسه الذي إرتفعت واردات دول أمريكا اللاتينية والكاريبي للولايات المتحدة بنفس النسبة.
هل سوف يتسبب الإرتفاع المقبل في أسعار النفط في إعادة ترسيم خريطة التجارة العالمية وإزدهار التجارة الإقليمية وسقوط فكرة العولمة وإتفاقيات التجارة الحرة كما حصل سنة 1973, وسنة 1979 والذي تكرر سنة 2008 حين تجاوز سعر برميل النفط حاجز 100 دولار مما أدى ألى موجة كساد إقتصادي مازالت مستمرة حتى وقتنا الحالي؟
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

No comments:

Post a Comment