Flag Counter

Flag Counter

Monday, August 10, 2015

ماهو دور مجموعة الدول العشرين في تحقيق التوازن الإقتصادي العالمي؟

تعد مجموعة الدول العشرين(G20) من أقوى المؤسسات والتي برزت الحاجة إليها لمعالجة المشاكل على مستوى العالم نتيجة غياب حكومة عالمية حقيقية.
تستمد المجموعة إسمها من مجموعة الكيانات المكونة لها. مجموعة الدول السبعة وهي الولايات المتحدة, كندا, فرنسا, ألمانيا, المملكة المتحدة, إيطاليا واليابان. بالإضافة إلى دول لها وزنها وثقلها الإقتصادي والسياسي كالصين, البرازيل, كوريا الجنوبية, المكسيك, الهند وأندونيسيا. بعض الدول تم ضمها لأسباب لها علاقة بتوفرها على موارد طبيعية أو لأسباب متعلقة بالجيوبوليتكس كالمملكة العربية السعودية وروسيا. كما أن دولا أخرى تم ضمها لتحقيق توازن جغرافي كالأرجنتين, أفريقيا الجنوبية, أستراليا وتركيا. دول مثل النرويج وهولندا لم يتم ضمها رسميا على الرغم من ثقلها الإقتصادي ولكن يتم دعوتها من فترة لأخرى لحضور بعض الإجتماعات. الإتحاد الأوروبي يتم دعوته كمراقب لأنه البنك المركزي الأوروبي يصدر أحد العملات الإحتياطية على مستوى العالم.
الألية التي تعمل بها مجموعة الدول العشرين تتم على مستويين, الأول من خلال إجتماعات وزراء الإقتصاد ومحافظي البنوك المركزية بينما الثاني وهو الأهم من خلال الملوك ورؤساء الوزراء والرؤساء. في تلك الإجتماعات وفي الأجنحة الفندقية يتم عقد الصفقات التي تحدد مستقبل الإقتصاد العالمي.
إجتماعات مجموعة العشرين ملائمة بشكل خاص لحضور الصين حيث يتم إتخاذ القرارات بشكل جماعي لعدم ميل الصين لعقد الإتفاقات الثنائية حيث يتم إعتبارها إستقواء وإهدار للكرامة. الولايات المتحدة توفر لها تلك الإجتماعات فرصة إتخاذ القرارات الجماعية حيث لاينظر إليها على أنها تتصرف بشكل منفرد. الدول الأقل تأثيرا على المستوى العالمي توفر لها الإجتماعات فرصة أن يكون صوتها مسموعا وطرح أرائها حيث تعجر عن التاثير على الإقتصاد العالمي منفردة. الرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن والرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي كان لهما الدور الأكبر في تحويل إجتماعات مجموعة العشرين من مجرد إجتماعات لوزراء الإقتصاد ومحافظي البنوك المركزية عند بدايتها سنة 1999 إلى إجتماعات على مستوى القمة من رؤساء وزارء ملوك ورؤساء دول بداية من سنة 2008.
في الفترة التي أعقبت إنهيار بنك ليمان برثرز و أي جي سنة 2008, إتجهت الأنظار إلى إجتماع قمة لمجموعة الدول العشرين كان قد تم تحديده بشكل مسبق في شهر نوفمبر من ذالك العام وذالك لإتخاذ قرارات مصيرية لتقرير مستقبل الإقتصاد العالمي وإنقاذه من الإنهيار نتيجة أكبر أزمة إقتصادية عالمية حتى تاريخه. الصين تعد أحد أقوى الإقتصاديات العالمية حيث ينظر إليها كأحد أهم المصادر لرأس المال والإستثمار على المستوى العالمي. في ذالك الوقت فإن مجموعة الدول السبعة(G7) لم تكن تضم الصين في عضويتها حيث لا يمكن الإستغناء عنها في مثل تلك الظروف, ومرة أخرى كان مجموعة الدول العشرين هي الملاذ الأخير حيث تحدد القرارات المصيرية التي يتم إتخاذها من قبل المجتمعين مستقبل الإقتصاد العالمي.
كان إجتماع قمة العشرين في ذالك الوقت الحرج فرصة للولايات المتحدة لفرض أجنداتها تحت مسمى إعادة التوازن. وحتى نفهم ذالك علينا النظر في الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة ووضعها الإقتصادي في تلك الفترة.
من الناحية التقليدية فإن الإستهلاك والإنفاق الداخلي كان هو حجر الأساس في أي خطة للنهوض الإقتصادي في مواجهة إنخفاض مستوى العائدات من الإستثمار بسبب تفضيل الشركات الأمريكية إبقاء أرباحها بعيدا عن متناول قوانين ضرائب الشركات والتي تعد مرتفعة داخل الولايات المتحدة حيث يتم تركيز إستثماراتها خارج الأراضي الأمريكية. خطة الإنفاق الحكومي وسياسة التيسير الكمي فشلت أربع مرات في الفترة الممتدة 2008-2010 في الخفض من نسبة البطالة وإنقاذ الإقتصاد من الركود كما أن من نتائجها السلبية تخفيض التصنيف الإئتماني للولايات المتحدة لأول مرة في تاريخها وهو ماحصل على أرض الواقع وكانت له نتائج سلبية على خدمة الدين الأمريكي.
الناتج الإجمالي المحلي للولايات المتحدة في بداية سنة 2011 بلغ 14.9 تريليون دولار يتم تقسيمه على الشكل التالي: إستهلاك 71%, إستثمارات 12%, إنفاق حكومي 20% وصادرات -12%. وبما أن الإستهلاك وهو يمثل إنفاق المواطنين الأمريكيين على السلع والخدمات أصبح خارج حسابات المخططين بسبب إرتفاع مستوى الديون الداخلية خصوصا للمواطن الأمريكي والإستثمارات والإنفاق الحكومي ليس بإمكانهما إحداث ذالك التأثير المطلوب خصوصا مع الركود الإقتصادي وإرتفاع مستوى البطالة, حيث لم يتبقى في جعبة المخططين غير العمل على زيادة نسبة الصادرات مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي.
الطريقة التقليدية لزيادة نسبة الصادرات كان في تخفيض قيمة الدولار الأمريكي وذالك ليس بالشيئ الجديد حيث كان محور السياسة الإقتصادية في المملكة المتحدة سنة 1931 وفي الولايات المتحدة نفسها سنة 1971 في عهد الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون. مضاعفة الصادرات الأمريكية بنسبة 1.3% سوف تحدث تأثيرا هائلا يتمثل في رفع نسبة النمو من 2.6% إلى نسبة 3.9% وهي تعد نسة نمو حقيقية وصحية. الرئيس الأمريكي قام بالإعلان في خطابه السنوي إلى الأمة بتاريخ 27 يناير 2010 عن مبادرة الصادرات الوطنية والتي تهدف لزيادة نسبة الصادرات الأمريكية إلى الضعف.
ولكن لماذا التركيز على الصين؟ ولماذا إستخدام إجتماعات قمة العشرين كمنصة لتمرير القرارات التي تخدم المصالح الإقتصادية للولايات المتحدة؟
ذكرت في مواضيع سابقة كيف أن الصين كانت تستبق إجتماعات قمة العشرين بخطوة تعبر عن حسن نية وأحيانا لتجنب فرض عقوبات من قبل وزارة الخزانة الأمريكية بتهمة التلاعب بسعر صرف اليوان الصيني. تلك الخطوة تتمثل برفع قيمة عملتها حيث قامت بذالك عدة مرات وجرى إرتفاع ملحوظ في قيمة اليوان الصيني مما يؤدي بالمحصلة إلى إنخفاض قيمة الدولار الأمريكي في المقابل. ولكن علينا عمل مقارنة بسيطة بين الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة والصين. النمو الإقتصادي للصين يعتمد على الإستثمارات بنسبة 48% مقارنة بنسبة 12% للولايات المتحدة. تنخفض نسبة الإستهلاك في الصين مقارنة بالولايات المتحدة وذالك يرجع لإنخفاض إنفاق المواطن الصيني لضعف شبكة الأمان الإجتماعية أو الخدمات الإجتماعية التي تقدمها الحكومة الصينية لمواطنيها وفق مبدأ (Iron Rice Bowl) والذين يلجأون للإدخار كردة فعل على ذالك. كما أن الثقافة الكونفوشية في الصين لا تشجع على إظهار الثروة أو التفاخر بها. إن زيادة صادرات الولايات المتحدة للصين من منتجات وخدمات كبرامج الكمبيوتر, أفلام هوليود وألعاب الفيديو حيث يمكن للبلدين أن يحققا النمو الإقتصادي. الصين تعد سوقا مغلقة بالنسبة لبعض الخدمات والمنتجات الأمريكية كجوجل مثلا كما أن تقليد المنتجات والماركات المشهورة في الصين خصوصا الأفلام وبرامج الكمبيوتر وحتى الهواتف النقالة تعد صناعة بمليارات الدولارات مما يفسر سبب إتهامات الحكومة الأمريكية المستمرة لنظيرتها في الصين بعد إتخاذ إجرائات فعالة للحد من تلك الظاهرة والتي تسبب نزيفا مستمرا للإقتصاد الأمريكي. إجتماع قمة العشرين في مدينة بيتسبرغ قد أدى إلى تقدم مفاجئ بخصوص مايسمى إعادة التوازن للإقتصاد العالمي والذي في المحصلة يعني تطبيق الأجندات الأمريكية وإعطائها أولوية على غيرها. لم يتم ذكر خطة واضحة متعلقة بجعل مفهوم إعادة التوازن موضع التطبيق ولكن عبارة غير واضحة تم ذكرها في القسم عشرين من إطار عمل للقمة متعلقة بدور أكثر فعالية لصندوق نقد دولي في تحقيق الإستقرار الإقتصادي وإعادة التوازن للنمو الإقتصادي العالمي.
مدير صندوق النقد الدولي في ذالك الوقت دومينيك ستراوس إستقبل ذالك الإعلان بترحاب كبير لأنه يعطي دفعة معنوية لصندوق النقد الدولي بعد تضائل دوره في السنوات الأخيرة. فقد كانت مهمته في السنوات الممتدة بين 1950-1960 بمنح قروض للبلدان التي تعاني من عجز مؤقت في ميزان المدفوعات لإبقاء للمحافظة على سعر صرف عملاتهم المرتبطة بالدولار. وفي الفترة الممتدة بين 1980-1990  بمساعدة البلدان النامية التي تعاني من إختلال في إحتياطياتها النقدية من العملة الصعبة حيث قدم تمويلا إقتصاديا مرتبطا بشروط تقشف مصممة لحماية البنوك الأجنبية وحملة سندات الدين الحكومية. قمة الدول العشرين قامت على نحو فجائي بمنح صندوق النقد الدولي دورا يماثل البنك الدولي وصلاحيات واسعة لتطبيق مفهوم إعادة التوازن للإقتصاد العالمي. صندوق النقد الدولي قام من ناحيته بعمل دراسات واسعة للمارسات الإقتصادية في كل بلد بشكل منفصل ولكن أهداف خطة إعادة التوازن تم تجاهلها من قبل العديد من البلدان خصوصا الصين. النتيجة أن الولايات المتحدة توصلت إلى قناعة أنه إذا أرادت زيادة نسبة صادراتها عبر تخفيض قيمة الدولار الأمريكي فما عليها إلا أن تعمل على ذالك بنفسها وليس من خلال إجتماعات قمة العشرين والمؤسسات الدولية التي أثبتت عجزها وفشلها لتحقيق تلك الغاية والتي تتمثل في مفهوم إعادة التوازن. ولكن كيف عملت الولايات المتحدة لفرض مفهوم إعادة التوازن بعد فشل الإجتماعات والمؤسسات المالية الدولية عن فرض ولو الحد الأدنى من الإلتزام بين دول العالم فذالك سوف يكون محور الموضوع القادم إن شاء الله.
مع بالغ تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

No comments:

Post a Comment