Flag Counter

Flag Counter

Tuesday, January 9, 2024

حرب السودان داخلية, تمويل خارجي والهدف هو مصر

السودان هي أحد الدول التي قدَّمت الدعم الى الفلسطينيين والقضية الفلسطينية خصوصا مؤتمر القمة الذي عقد في الخرطوم خلال الفترة التي أعقبت نكسة ١٩٦٧ وتم ترديد شعارات المؤتمر "لا صلح, لا إعتراف, لا تفاوض" مع العدو الصهيوني. كما أنَّ السودان أحد أكبر الدول الإفريقية وتحتوي على ثروات هائلة تكفي لأن تجعل من شعبها من أغنى شعوب العالم. مشروع الجزيرة يعتبر أكبر مشروع زراعي في العالم مساحته ٢,٢٠٠,٠٠٠(مليونان ومائتي الف فدان) وذلك في شمال السودان بدون حساب الأراضي الزراعية في جنوب السودان الذي أصبح دولة مستقلة سنة ٢٠١١, موارد مائية, نفط وغاز في شمال وجنوب السودان احتياطيات ضخمة من الذهب لو تم استغلالها بطريقة مناسبة وبلا مبالغة سوف تجعل من احتياطي الذهب في السودان الأول عالميا.

السودان كان دائما في عين العاصفة ولكن الهدف أيضا هو مصر حيث يمكن محاصرتها من خلال إثارة الاضطرابات في دول الجوار وحتى في مصر نفسها. ليبيا تم إسقاطها تحت مسمى الربيع العربي, قطاع غزة تحت القصف منذ أكثر من شهرين والهدف تهجير الفلسطينيين في قطاع غزة الى صحراء سيناء, حرب أهلية في السودان, عمليات قرصنة وهجوم على السفن في محيط منطقة باب المندب, مخططات من أجل بناء قناة بديلة عن قناة السويس, وصول الإخوان المسلمين الى الحكم من خلال الربيع العربي ٢٠١١, سد النهضة في أثيوبيا وما خفي كان أعظم. مصر مستهدفة بعدة طرق لعل أهمها مجاعة مائية وغذائية وطوفان لاجئين فلسطينيين من قطاع غزة والسودان.

التاريخ يعيد نفسه وسوف أعطي أحد أكثر الأمثلة وضوحا على ذلك وعلى انحطاط أخلاق الدول الاستعمارية خصوصا بريطانيا التي كانت مهيمنة خلال تلك الفترة. الإمبراطورية البريطانية التي كانت لا تغيب عنها الشمس استعمرت مصر والسودان ضمتها دولة واحد حيث استعانت بقوات مصرية في قمع حركات التمرد في السودان في أكثر من مناسبة. ولكن لأن بريطانيا لا تتخلى أو تغادر بلداً قامت بإستعماره بدون أن تترك فيه كعب أخيل كما فعلت في الهند وحكايتها معروفة. وعندما قامت ضدها ثورة ٢٣/يوليو/١٩٥٢ في مصر, غادرتها القوات البريطانية ولكنها استمرت على وجودها في السودان ولم تغادر الأراضي السودانية حتى تم الاتفاق على إجراء إستفتاء ثم انسحبت القوات البريطانية من الأراضي السودانية سنة ١٩٥٥ وأعلن استقلال السودان سنة ١٩٥٦ في إستفتاء عام.

إنَّ مخطط تقسيم مصر والسودان بدأ منذ إنفصال السودان عن مصر سنة ١٩٥٦ حيث كان جنوب السودان يتمتع بنوع من الحكم الذاتي في إطار دولة واحدة هي السودان ولكن حكومة الصادق المهدي سنة ١٩٨٣ قامت بالغاء تلك الترتيبات مما أدى الى تمرد فرقة من الجيش كانت تتمركز في جنوب السودان تحت قيادة جون قرنق. ولكن الأخير لم تكن له أهداف إنفصالية بل كان يسعى الى استعادة حقوق الحكم الذاتي و معاملة عادلة لأهالي الجنوب وحصة في ثروة النفط التي كانت أغلبية أباره الرئيسية تقع في جنوب السودان. ولكن جون قرنق تم إغتياله في ٣٠/يوليو/٢٠٠٥ في حادثة تحطم مروحية هليوكبتر حامت حوله الشبهات خلال بضعة شهور من توقيع إتفاقية السلام الشامل(نيفاشا-كينيا) بتاريخ ٩/يناير/٢٠٠٥.

حاكم السودان السابق عمر حسن البشير وصل الى الحكم في انقلاب عسكري سنة ١٩٨٩ مدعوما من حسن الترابي وتنظيم الإخوان المسلمين والذين كانوا مدعومين من قوى غربية تسعى الى تقسيم السودان حيث الإخوان المسلمون هم أدوات ذلك التقسيم ومعاول الهدم التي تستخدمها الدول الغربية منذ تأسيس التنظيم سنة ١٩٢٨ في مصر. عمر حسن البشير أعلنها حربا دينية جهادية مقدسة ضد جنوب السودان, المسلمين ضد المسيحيين, ودعا الى تطبيق الشريعة الإسلامية على أهالي جنوب السودان الذي تغلب عليهم المسيحية والديانات الوثنية حيث أغلبية السكان تنتمي الى قبائل إفريقية وليست عربية. سيناريو تقسيم أندونيسيا في إقليم تيمور الشرقية تم نقله الى السودان حيث استنفرت الدول الغربية وجماعات حقوق الإنسان وتم حصار السودان إقتصاديا وسياسيا بتهمة إضطهاد المسيحيين وتقديم الدعم الى الإرهاب الدولي والإسلامي بسبب تواجد الفنزويلي إلييتش راميريز سانشيز ولاحقا زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن.

الرئيس عمر حسن البشير وعلى عادة الإخوان المسلمين في تأسيس الميليشيات التي تعتبر غير وطنية ولائها للقبيلة وزعمائها وليس للدولة والحكومة حيث قام بتأسيس ميليشيات الجنجويد الذين كانوا يغيرون على قرى جنوب السودان وكانوا يشتهرون بأنهم يركبون الخيل. وبعد الاستفتاء وانفصال جنوب السودان, تم نقل مهمة الجنجويد الى دارفور حيث ارتكبت تلك الميليشيات مجازر بشعة وأعمال إغتصاب ونهب مما أدى الى إدانة دولية. دارفور هي المنطقة التالية المستهدفة بالإنفصال في السودان وتم إشعال الصراع فيها على أساس عرقي, قبائل عربية ضد قبائل إفريقية, المزارعون ضد رعاة الماشية. وفي مرحلة لاحقة وبعد إدانة قائد الجنجويد موسى هلال بارتكاب جرائم حرب في دارفور تم إعادة تسمية الجنجويد الدعم السريع وتعيين محمد حمدان دقلو(حميدتي) في منصب قائد ميليشيا الدعم السريع وهو من قبيلة الزريقات أحد أكبر القبائل العربية في دارفور وتلك هي مؤهلاته وهو ليس خريج كلية عسكرية وكان يعمل في السابق تاجر جمال.

سنة ٢٠١٩, سقط نظام حكم عمر حسن البشير حيث أقاله الجيش بعد أشهر من الاحتجاجات وتم تعيين مجلس انتقالي برئاسة وزير الدفاع الفريق أحمد عوض بن عوف الذي استقال بعد فترة قصيرة وتم تعيين الفريق أول عبد الفتاح برهان في منصب رئيس مجلس السيادة الانتقالي والقائد الأعلى للقوات المسلحة السودانية. المشهد السوداني أصبح الآن جاهزا للصراع سنة ٢٠٢٢ بعد إقالة رئيس وزراء الفترة الإنتقالية عبدالله حمدوك(٢٠١٩-٢٠٢٢), الفريق أول عبد الفتاح البرهان في مواجهة قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو(حميدتي).

المشهد السياسي والعسكري في السودان حاليا في غاية الغرابة. هناك لاعبون رئيسيون مثل روسيا التي من المفترض أنها تقيم علاقات وثيقة مع الفريق أول عبد الفتاح البرهان وتسعى الى الحصول على قاعدة بحرية في البحر الأحمر. ولكن في الوقت نفسه فإن ميليشيا فاغنر التي تتواجد في عدة دول إفريقية منها السودان وليبيا وتعمل على دعم المشير خليفة حفتر تتعاون في الوقت نفسه مع ميليشيا الدعم السريع مما يثير الاستغراب. تركيا التي كان من المفترض منحها قاعدة عسكرية على إحدى الجزر السودانية, السعودية تدعم مليشيات حميدتي حيث قتل عدد من أفرادها (مرتزقة) ضد الحوثيين في اليمن. دول غربية والولايات المتحدة تدعم الفوضى والفتن وبالتالي فإنها تدعم حميدتي وميليشيا الدعم السريع(كونترا السودان). هناك عدة دول إفريقية متورطة في تقديم الدعم الى ميليشيات حميدتي على رأسها أثيوبيا. دولة الكيان الصهيوني على رأس الهرم في تقديم الدعم الى مرتزقة حميدتي من خلال شركات أمنية خاصة. 

ميليشيات الدعم السريع في غالبية عناصرها مرتزقة من تشاد, النيجر ودول إفريقية أخرى حيث أن هناك خمسين قبيلة في السودان خصوصا منطقة دارفور لديها علاقات مصاهرة و امتدادات قبلية في عدة دول إفريقية مما يزيد من مشكلة السودان تعقيدا. منطقة الحدود بين السودان وليبيا أصبح ممرا مفتوحا لعبور السلاح والمرتزقة حيث توفر خيارات للإرهاب الدولي العابر للقارات أفضل من سوريا أو العراق بسبب حالة الفوضى وانعدام الأمن وغياب الدولة. هناك عشرات الآلاف من مرتزقة الدعم السريع التي لم يكن يزيد عددها أيام حكم النظام السابق عن عشرين ألف مقاتل وتبلغ حاليا أكثر من مائة ألف مقاتل وفي حالات كثيرة هناك مواطنين دول إفريقية يقاتلون مع الدعم السريع أكثر من عدد الجيش والشرطة في تلك البلدان ولديهم أسلحة أفضل من الجيوش الوطنية. القارة الإفريقية مقبلة على أيام حالكة السواد فهل تعتبر أحداث السودان هي بداية النهاية؟

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

النهاية


















No comments:

Post a Comment