الدولة العميقة مفهوم أو مصطلح قد يكون غامضا بالنسبة الى الكثيرين أو قد يسمع بع البعض دون أن يكونوا على معرفة الحقائق كاملة حول مفهوم الدولة العميقة ودورها على الساحة المحلية, الإقليمية والدولية.
بداية, ليس هناك دولة أو منظمة في العالم لا يكون لديها حكومتان, الأولى هي الحكومة المدنية الظاهرة التي تجتمع من خلال مجلس وزراء ومجلس نواب وغير ذلك من مظاهر العمل الحكومي, بينما هناك حكومة الظل أو الدولة العميقة والتي قد تضم في عضويتها وزير الداخلية, مدراء الأجهزة الأمنية وكبار القادة العسكريين مثل وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان. وبالطبع قد تختلف بعض الشخصيات التي تضمها الدولة العميقة باختلاف أنظمة الحكم في تلك الدول.
وقد يعتقد البعض أن رئيس الدولة أو رئيس الوزراء يصدر قراراً وأن ذلك القرار سوف يتم تنفيذه فورا مما يخالف الحقيقة والواقع الذي يؤكد أن أي رئيس دولة أو أي نظام سياسي لا يمكن أن يحكم وينفذ قراراته دون تعاون مع الدولة العميقة أو حد أدنى من التفاهم. كوريا الشمالية يمكن أن تعتبر مثالاً على الدولة العميقة (إيجابي) التي تعتبر كابحاً ضد تصرفات الرئيس كيم جونغ أون الذي قد يبدأ حربا نووية عالمية تهدد مصالح الصين أو الأمن والسلم العالمي. الدولة العميقة في كوريا الشمالية لديها ارتباط وثيق مع الصين التي تراقب الوضع في جارتها الحدودية بحذر من خلال عناصر الدولة العميقة في الحكومة, الجيش والأجهزة الأمنية الكورية الشمالية. الولايات المتحدة هي مثال آخر على تأثير الدولة العميقة (السلبي) والذي يمثِّلُ المجمع الصناعي-العسكري المصالح النخبوية للدولة العميقة والتي قد تلجأ الى التشهير, الفضائح وربما الإغتيال كما حصل مع إبراهام لينكولين و جون كينيدي.
الحركات السياسية خصوصا أحزاب الإسلام السياسي هم أيضا ينطبق عليهم مفهوم الحكومة العميقة. حركة حماس يمثِّلها في الظاهر أشخاص مثل خالد مشعل, إسماعيل هنية وموسى أبو مرزوق بينما يمثِّلُ يحيى السنوار و محمد الضيف وأعضاء في المكتب العسكري يمثلون الحكومة العميقة في حماس. الشاهد على ذلك هو تراجع عدد من قادة حماس عن تصريحات أو بالونات إختبار صرحوا بها أمام وسائل الإعلام. يحيى السنوار كان يمكنه الإعتراض على القرارات التي يتَّخِذها رئيس الوزراء إسماعيل هنية رغم أن الأول كان معتقلا في السجون الإسرائيلية, فما هو حجم السلطة والنفوذ التي يمتلكها شخص معتقل حتى لو كان من أعضاء حركة حماس ولقبه عميد أسرى حماس في سجون الإحتلال الصهيوني؟
ليبيا هي مثال آخر على تأثير الدولة العميقة وحيث يعتقد الكثيرون أن معمر القذافي كان حاكما مطلقا وأنَّ قراراته يتم تنفيذها وعلى الفور بدون مناقشة. الدولة العميقة في ليبيا هي التي تقود المقاومة ضد عملاء الناتو وهي التي نجحت في الحفاظ على رموز النظام السابق الذي لم يعدم ولا شخص منهم وتم إطلاق سراحهم جميعا بما فيهم سيف الإسلام القذافي. صدام حسين قبل سقوط نظامه في العراق سنة ٢٠٠٣ نجح في تعزيز دور الدولة العميقة من خلال الحملة الإيمانية حيث سمح بإطلاق اللحية ومظاهر التدين الأخرى في الجيش والقوات الأمنية وتأسيس ميليشيات موازية مثل فدائيو صدام, جيش القدس والذين كانوا يعتبرون أغلبية العناصر في تنظيم داعش وقادته خلال عمليات السيطرة على الموصل هم أنفسهم قادة الجيش وأجهزة الأمن خلال فترة حكم صدام حسين.
الدولة العميقة كما ذكرت في بداية الموضوع قد تضم في عضويتها وزراء الداخلية والدفاع, قادة الأجهزة الأمنية الرئيسية مثل المخابرات العامة وقادة الأفرع الرئيسية في القوات المسلحة وبعض الموظفين المدنيين الحزبيين أو الرفيعي المستوى. كانت مطالب الإخوان المسلمين خلال أحداث ٢٥/يناير والتي تم إرسالها الى الإدارة الأمريكية من أجل انضمامهم الى مظاهرات ميدان التحرير هو عدم المساس بالرئيس محمد حسني مبارك وإقالة وزير الداخلية حبيب العادلي والذي كان في الوقت نفسه يرأس جهاز المخابرات الداخلية أو كما يطلقون عليه في مصر, جهاز أمن الدولة. اللواء حبيب العادلي كان أحد أكبر رموز الدولة العميقة في مصر و العائق الرئيسي أمام نجاح حركة ٢٥/يناير.
الدولة العميقة حاضرة في جميع جوانب الحكم, السياسة, الإقتصاد, الأمن وجميع جوانب الحياة في أي دولة من دول العالم وهي التي تحكم وتصدر القرارات من وراء ستار. ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أدرك أنه لا يمكنه أن يحكم المملكة بعد وفاة والده بدون القضاء على الدولة العميقة وأن يصبح هو الحاكم مطلق القوة والسلطة في المملكة العربية السعودية. إعتقالات الريتز-كارلتون وحملات مكافحة الفساد ومصاردة ممتلكات أقاربه و أولاد عمومته خصوصا أولاد الملك السابق عبدالله بن عبد العزيز هو جزء من جهوده من أجل القضاء على الدولة العميقة أو على الأقل تجريدها من عناصر قوتها الإقتصادية وإخضاعها وجعلها تعمل في صالحه وليس ضدَّه.
مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment