لقد كانت تداعيات مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في سفارة بلاده في إسطنبول ضارة بسمعة المملكة التي تحاول الترويج للإصلاح والانفتاح على العالم الخارجي. هناك الكثير من التغيرات بعد تولي سلمان بن عبد العزيز عرش المملكة. ملك السعودية الجديد وعبر سلسلة من القرارات والتحركات داخل وخارج السعودية, أصدر قرارا بتعيين ولده المفضل محمد بن سلمان وليا للعهد بالإضافة منصبه وزيرا للدفاع. المملكة لم تكن أبدا بمثل ذلك التشدد مع المعارضين حيث وصلت الى إرسال فرق إغتيال الى خارج المملكة من أجل القيام بتصفية كل من يعارض سياسات ولي العهد السعودي. جمال خاشقجي كان أول الضحايا الذين تمت تصفيتهم خارج المملكة. كما تم إرسال فريق الى كندا من أجل تصفية سعد الجبري الذي كان يشغل منصبا رفيعا في وزارة الداخلية معاونا للوزير السابق الأمير محمد بن نايف. المخابرات الكندية حذرت المعارض السعودي عمر الزهراني من أن هناك محاولة لقتله أو إختطافه.
مئات المقالات تحدثت عن التفاصيل المزعومة لعملية الإغتيال وكيف تم إستدراج خاشقجي وعن دور محتمل للمخابرات التركية خصوصا خطيبته خديجة جنكيز التي يشاع على نطاق واسع أنها على صلة قرابة بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأنها تعمل لصالح المخابرات التركية. ولكن هناك تفصيل واحد غائب, قطعة من أحجية إغتيال جمال خاشقجي لم تكتمل حتى صدور كتاب "الدم والنفط" من تأليف الصحفي برادلي هوب والمستشار المالي جستن شيك اللذان يعملان لصالح صحيفة وول ستريت جورنال. الأحجية هي السبب الذي أدى الى المخاطرة بسمعة المملكة في عملية غير محمودة العواقب من أجل اغتيال صحفي سعودي وصفه الإعلام السعودي بأنه معارض. ولكن جمال خاشقجي كان من أكبر المؤيدين لسياسات العهد الجديد. كما أنه كان يكتب في صحف حكومية وعمل في مناصب حكومية خصوصا في سفارة السعودية في بريطانيا وفي الولايات المتحدة.
من وصف جمال خاشقجي بأنه كنز معلومات لم يخطئ بل كان محقا. خلال إقامة جمال خاشقجي في العاصمة الأمريكية حيث كان يمتلك شقة هناك, تم الإتصال به من كاثرين هنت(Catherine Hunt) وهي عميلة سابقة في مكتب التحقيقات الفيدرالية(إف بي أي) وكانت تعمل لصالح أسر ضحايا هجمات 11/ سبتمبر الإرهابية وذلك بعد أن قرأت مقالات خاشقجي في صحيفة واشنطن بوست. السبب هو أن قانون جاستا الذي تم الموافقة عليه في الكونجرس على الرغم من إعتراض الرئيس أوباما قد جعل من الممكن مقاضاة المملكة العربية السعودية بسبب هجمات سبتمبر وذلك من أسر الضحايا. القانون كان يمثل عقبة كبيرة في سبيل إدراج أرامكو في بورصة نيويورك أو حتى بورصة لندن. الحكومة السعودية أنفقت مبالغ مالية كبيرة في سبيل مهاجمة القانون والابتعاد عن الاتهامات التي يتم توجيهها حول مسؤوليتها المباشرة عن تلك الهجمات الإرهابية. خاشقجي أبلغ كاثرين خلال لقائه بها أن الحكومة السعودية غير مسؤولة مباشرة عن أحداث سبتمبر ولكنها قدم الدعم للمتطرفين الأصوليين الذين قاموا بالهجمات وهي بالتالي تتحمل مسؤولية غير مباشرة ويجب مقاضاتها بسبب ذلك وأنه على إستعداد للإدلاء بكل مالديه من معلومات في ذلك الخصوص.
كما أن الحكومة السعودية نما الى علمها عبر التجسس على المعارض السعودي المقيم في كندا عمر الزهراني أنه على تواصل مع جمال خاشقجي وأن لديهما مشروعا مشتركا من أجل إنشاء جيش النحل الإلكتروني في مواجهة الذباب الإلكتروني الذي يشرف عليه المستشار السابق في الديوان الملكي سعود القحطاني. الحكومة السعودية قامت بعدة إجرائات انتقامية ضد جمال خاشقجي منها منعه من الكتابة في الصحف السعودية ومنع إبنه صالح من السفر الى خارج المملكة والهجوم عليه من الذباب الإلكتروني.
جمال خاشقجي كان يعرف الكثير لأنه كان مقربا لفترة طويلة من رئيس الإستخبارات السعودية السابق تركي الفيصل وكان على علاقة وثيقة بزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن وكتب في نعيه وحزن عندما نجحت القوات الأمريكية في قتلة في مخبئه في مدينة بوت أباد الباكستانية وقد سافر عدة مرات الى أفغانستان أثناء فترة الحرب الأفغانية ويقال أنه شارك فعليا في القتال ضد القوات السوفياتية. كما عمل في السفارات السعودية في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وله شبكة من العلاقات داخل وخارج السعودية مما يجعله يشَكِّلُ صداعا للحكومة السعودية في حال بدأ التعاون في قضية أهالي ضحايا هجمات سيبتمبر الإرهابية. جمال خاشقجي أفلت من منع السفر حين تلقى رسالة من موظف حكومي رفيع تخبره أن قرار منع من السفر سوف يصدر خلال أيام قليلة مما دفعه الى تجهيز حقائب السفر في أول طائرة متجهة الى الولايات المتحدة. في النهاية, خاشقجي شخص إعتاد على البقاء تسليط الأضواء عليه ومنعه من السفر والكتابة كان بمثابة قرار بالموت البطيء. ولكن في النهاية, الموت جائه من حيث لايعلم.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment