إن قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي وتقطيع جثته داخل القنصلية السعودية في تركيا طرحت مجموعة من الأسئلة الأخلاقية بالدرجة الأولى حول أسباب الجريمة والظروف التي أدت إليها. الذباب الإلكتروني السعودي مشترك في الجريمة بالدرجة الأولى عبر تقديم المبررات للحكومة السعودية والتي يمكن إستخدامها من أجل القيام بجرائم مستقبلية مماثلة. جمال خاشقجي ليس أول مُعارض سعودي يتم اختطافه ولا تظهر جثته, بل حتى هذه اللحظة لم يُعرف مصير المعارض السعودي ناصر السعيد الذي تم اختطافه من لبنان على يد عناصر أمنية تتبع أبو علي إياد, رئيس جهاز أمن الثورة الموحَّد وتمت العملية بإشراف عطالله عطالله(أبو الزعيم) والسفير السعودي في لبنان علي الشاعر مقابل عشرة ملايين دولار. في الحالتين لم تظهر جثة المخطوفين حيث اختلفت الروايات في قضية إختطاف ناصر السعيد من أنه تم التخلص منه في لبنان أو تم نقله الى السعودية حيث تم تعذيبه والقائه من طائرة هليكوبتر في الصحراء. أما جمال خاشقجي فقد اختلفت الروايات حول تسليم جثته الى متعاون محلي يقال أنه رجل أعمال سعودي مقيم في تركيا أو حرقها في مبنى القنصلية من خلال أفران تصل درجة حرارتها الى ألف مئوية.
لايمكن القبول من الناحية الأخلاقية بمقتل جمال خاشقجي. حتى الرواية الحكومية حول محاولة إقناعه بالعودة الى السعودية تبدو بدائية وساذجة. التعامل الإعلامي الحكومي مع القضية كان متنافرا بطريقة لا تصدق ولا تصدر حتى من إعلاميين من الهواة بداية من النفي مرورا برواية المشاجرة داخل القنصلية وتقديم تقارير مزورة من فريق الاغتيال الى القيادة السعودية. سفير أي دولة في الخارج يمكنه التفاوض مع المعارضين من أجل العودة الى بلدانهم ولا يحتاج الأمر الى فريق من 15 شخصا بينهم خبير في الطب الشرعي وآخر في التخدير. الفريق الذي تم إرساله كانت لديه أوامر بإعادة جمال خاشقجي الى السعودية بالقوة حتى لو اضطروا الى تخديره واختطافه. حتى مسرحية محاكمة المتورطين أو إقالتهم من وظائفهم لا تنطلي على طفل أو شخص مراهق لديه أدنى درجة من الوعي والمنطق. ومؤخرا ومن أجل محاولة إغلاق ملف القضية, أعلنت أسرة خاشقجي أنها تعفو عن (القاتل) ولا يستبعد أنها تعرضت الى ضغوطات رسمية من أجل القيام بذلك. حتى أن زوجة جمال خاشقجي آلاء نصيف أجبرت على طلب الطلاق منه وتم منعها من السفر واللحاق به الى الولايات المتحدة.
الذباب الإلكتروني مارس إغتيال الشخصية بحق جمال خاشقجي. حتى الأموات لا يمكن أن يتم احترامهم في السعودية لو كان متهمين بأنهم معارضون. الذباب الإلكتروني وصف خاشقجي بأنه معارض سياسي بسبب عضويته في تنظيم الإخوان المسلمين وأن خان السعودية وأنه لديه أسرارا مهمة كان ينوي تسريبها لها علاقة بفترة الحرب الأفغانية_الروسية حيث عمل مراسلا صحفيا وكان مقربا من رئيس الإستخبارات السعودية السابق تركي بين فيصل بن عبد العزيز آل سعود. لقد قمت بإستخدام كلمة معارض من أجل وصف جمال خاشقجي في إطار السياق العام للأحداث وعلى الرغم من أنني أختلف مع ذلك الوصف. جمال خاشقجي ليس معارضا سياسيا بل هو صحفي سعودي كان يشغل وظائف حكومية في رئاسة تحرير صحف سعودية وفي السفارات السعودية في بريطانيا والولايات المتحدة. كما كان كاتبا منتظما في صحف سعودية تنشر في لندن مثل صحيفة الحياة. جمال خاشقجي كان من أكبر الداعمين لرؤية 2030 ومن أكبر المؤيدين لإجراءات الإنفتاح التي قام بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. جمال خاشقجي كانت لديه تحفظات حول بعض جوانب الرؤية وكان يرى أولوية من أجل تحسين الخدمات القائمة بناء على آراء المواطنين وذلك في مجموعة مقالات بعنوان "رؤية المواطن السعودي 2030" نشرها في صحيفة الحياة السعودية التي تنشر من لندن.
هناك أمراء سعوديون معارضين ورجال أعمال تم ملاحقتهم في داخليا وخارجيا ومحاولة ترهيبهم أو إعادتهم الى السعودية ضد إرادتهم. طارق العبيد رجل أعمال سعودي تم إعتقاله في الصين بناء على مذكرة من الحكومة السعودية تتهمه بتمويل الإرهاب. ولكن الحكومة الصينية أطلقت سراحه في وقت لاحق بعد أن تبين لها أن شكوى الحكومة السعودية كيدية هدفها ترحيل طارق العبيد الى السعودية. الصحفي السعودي طارق الروقي تعرض الى التهديد والملاحقة بعد أن إنتقد حالة بعض الخدمات العامة وقيام الحكومة بعدد كبير من الاعتقالات خصوصا في صفوف رجال الدين. الرقي أجبر على حذف حسابه من تويتر وتقديم استقالته من موقعه الإخباري الألكتروني ولكنه رفض كتابة رسالة اعتذار الى الملك. ومن لم تنجح الحكومة في إختطافه أو إقناعه بالعودة طوعا, تقوم بإعتقال أقاربه وأفراد من أسرته وحتى أولاده كما فعلت مع سعد الجبري الذي كان مقربا من ولي العهد السعودي السابق محمد بن نايف وعمل في وزارة الداخلية أكثر من أربعة عقود. وكما فعلت مع المعارض السعودية عمر الزهراني حيث اعتقلت أصدقائه وأحد أشقائه بعد أن فشلت في إقناعه بالعودة الى السعودية مقابل العفو عنه.
الإعلام السعودي والذباب الإلكتروني يقودان حملة إغتيال شخصية بحق جميع المعارضين الأحياء منهم والأموات حيث لم يسلم منها حتى المرحوم جمال خاشقجي. وعلى الرغم من أنني أختلف مع نهج جمال خاشقجي ومواضيعه وعلاقته بقطر ومشاركته في مؤتمر للمعارضة السعودية, إلا أنني لست مؤيدا أسلوب التصفية الجسدية الذي تقوم به بعض الحكومات ومنها السعودية بحق ليس فقط المعارضين, بل كل من ينقد أي أمر له علاقة بالممكلة حتى لو كان مثلا رفع أسعار البنزين والكهرباء أو زيادة ضريبة القيمة المضافة. الحكومة السعودية تلاحق وتعتقل كل من ينتقد رؤية 2030 مثل الاقتصادي ورجل الأعمال عصام الزامل وتلاحق المغردين السعوديين على تويتر وتنذرهم بحذف التغريدات التي تنتقد الحكومة وإلا مواجهة العواقب. ولم تكتفي الحكومة السعودية بملاحقة مواطنيها على موقع تويتر بل قامت بالتجسس على الموقع نفسه عبر زرع موظفين سعودي في مقر الشركة في سان فرانسيسكو هما علي الزبارة وأحمد المطيري بالإضافة الى موظف ثالث أمريكي الجنسية. شركة تويتر قامت بطرد علي الزبارة حيث عاد الى السعودية وباشر عمله في وظيفة حكومية.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment