بعيدا عن كل التحليلات الخنفشارية و المنغمسين حتى آذانهم في نظرية المؤامرة وأن شبكات المحمول من الجيل الخامس أو غاز السارين هي السبب في ظهور وإنتشار فيروس كورونا وأن الفيروس هرب من مختبرات عسكرية للجيش الصيني في مدينة ووهان أو أن الولايات المتحدة هي السبب في ظهور ونشر الفيروس في العالم, لو وضعنا كل ذلك جانبا, أستطيع أن أقول لكم وبكل ثقة أن النظام العالمي الجديد قادم وبقوة بعد إنحسار هذه الأزمة. وسائل الإعلام ومثقفين وصحفيين يتحدثون عن تغييرات اجتماعية واقتصادية جذرية تكتسب صفة الديمومة نتيجة أزمة فيروس كورونا. وقد يكون الفيروس بالفعل ظهر نتيجة أن موطنا صينيا قام بطهي خفاش وأكله أو أن حيوان آكل النمل الحرشفي(البانغولين) هو شريك الخفاش في ظهور فيروس كورونا أوقد يكون الفيروس مصنَّعا في مختبرات عسكرية, كل ذلك لا يهم. ولكن المهم هو أنه لا يمكن للنخب السياسية الحاكمة أن تترك أزمة جيدة تمر هكذا بدون أن تحسن استغلالها. هل تذكرون أحداث 11/سبتمبر في الولايات المتحدة والتي تشبه زلزالا بمقياس 10 ريختر حيث مازلنا نعاني من الهزات الإرتدادية حتى يومنا هذا. أزمة فيروس كورونا سوف تطوي صفحة 11/سبتمبر ونبدأ صفحة جديدة بقوانين لعبة عالمية جديدة وقواعد جديدة.
بداية هناك التهويل الإعلامي بوصف الفيروس بأنه قاتل وكل ما يتم ترديده حول ذلك في وسائل الإعلام هو مجرد هراء. فيروس كورونا قد يقتل المصاب أو قد يصيب جسمه بأضرار بليغة حتى في حالة التعافي, لكن عدد الوفيات المرتفعة هو بسبب استنزاف الأنظمة الصحية في بلدان العالم وعدم قدرتها على توفير الرعاية المناسبة لكل مريض مصاب بفيروس كورونا وليس بسبب طبيعة الفيروس الفتاكة. فيروس عدد ضحاياه لايزيد عن 2-3% لا يوصف بأنه قاتل وفتاك, الإنفلونزا الموسمية هي السبب في وفاة 600 ألف شخص سنويا ولم توصف بأنها قاتلة وفتاكة. هناك بلدان مثل إسبانيا, وإيطاليا قد انهارت أنظمتها الصحية بسبب عدد الإصابات المرتفع. الحكومة البريطانية في محاولة من أجل تخفيف الغضب الشعبي من رئيس الوزراء بوريس جونسون صاحب نظرية المناعة الجماعية, أعلنت إصابته ووزير الصحة وولي العهد بفيروس كورونا. وقد يكون الخبر حيلة إعلامية وقد يكون حقيقة. الفيروس - ليس له كتالوج - كما يقول المصريون. هناك وفيات أشخاص يافعين وهناك كبار في السن تم شفائهم من فيروس كورونا. وهناك عدد كبير من الإصابات في جميع بلدان العالم حتى في الولايات المتحدة, أكثر من مائة ألف إصابة, يعني أن فكرة أنه مهندس جينيا حتى يصيب عرقا أو شعبا محددا هي خاطئة تماما.
النظام العالمي القادم سوف يكون أمرا مختلفا تماما عما نعرفه والتغيرات سوف تكون كبيرة وجذرية. ولكنه بالتأكيد لن يكون رأسماليا لأن الرأسمالية بدأت بالترنح مع أزمة الرهون العقارية منخفضة الجودة 2007-2008 والآن سقطت من على حافة الهاوية مع أزمة فيروس كورونا. هناك ثلاثة ملامح واضحة للنظام العالمي الجديد القادم بقوة. أول تلك الملامح هي التقليل من إستخدام الأوراق النقدية والعملات المعدنية. هناك دعوات بأن النقود والعملات هي سبب رئيسي من أسباب انتقال العدوى بفيروس كورونا. وفي بعض الدول, يتم تنفيذ حجر وتعقيم على جميع النقود الواردة من الخارج قبل طرحها في الدورة النقدية. سوف يتم إصدار النقد إلكترونيا وذلك أمر لايمكن أن يتم من مؤسسات مالية منفردة لأنه لن يكون خاضعا في تلك الحالة للرقابة. في النظام المالي الحالي, هناك دولة واحدة أو دولتان تقومان بطباعة العملة داخل البلد نفسه, البلد الأول الولايات المتحدة بينما الثاني إن لم أكن مخطئا هي بريطانيا. أما باقي الدول, لا تقوم بطباعة عملتها بنفسها بل في بلدان أخرى من أجل مراقبة كمية النقد وأسعار الصرف. اليورو يتم طباعته من البنك المركزي الأوروبي والذي تسيطر عليه ألمانيا بشكل رئيسي. ثاني تلك الملامح هو أن التطعيم سوف يصبح إلزاميا وسوف يتم فرض ذلك بوسائل مختلفة. ولكن ذلك يخلق مشكلة خصوصا ظهور عدد لا متناهي من الفيروسات وبالتالي, عدد لا نهائي من المطاعيم واللقاحات والعلاجات. ثالث تلك الملامح هو سيادة التكنولوجيا خصوصا التجارة الإلكترونية والتعليم عن بعد. هناك دول فرضت حجرا صحيا إلزاميا وعطلت المدارس والجامعات وبدأت في بث دروس ومحاضرات عبر قنوات التلفاز والإنترنت عبر مواقع مشاركة الفيديوهات مثل اليوتيوب.
ومع ظهور أزمة فيروس كورونا, فشلت الرأسمالية فشلا ذريعا بسبب الأنانية والجشع وحب التملك. الولايات المتحدة أعلنت استمرار عملياتها العسكرية حول العالم على الرغم من أزمة فيروس كورونا وتم إصدار قانون من أجل إستدعاء مليون جندي احتياط للمساعدة في مكافحة الفيروس. وسائل الإعلام الأمريكية تنعت دولا مثل النرويج والدانمارك بأنها اشتراكية أو شيوعية بسب بنظام الرعاية الصحية ولكن مراهقا أمريكيا توفي في ولاية كاليفورنيا بسبب فيروس كورونا لأن المستشفى رفض علاجه بسبب عدم امتلاكه تأمينا صحيا. الرئيس الأمريكي قام بتوقيع قانون من أجل توفير 2.2 تريليون دولار للمساعدة في مكافحة الفيروس ولكن نصيب قطاع الصحة لن يزيد عن 100 مليار دولار على الرغم من أن الظروف تفرض عكس ذلك. هناك دول مثل فرنسا, كندا, والنرويج والدنمارك قامت باتخاذ إجرائات أكثر حزما وصرامة من الناحية الإقتصادية مثل تأجيل دفع الأقساط والإيجارات والرهون العقارية خلال فترة الحجر الصحي. كما أن دولا مثل إنجلترا تقوم بدفع مايصل الى 80% من الأجور الشهرية للموظفين الحكوميين. الحكومة الكندية سوف تقوم بدفع 200 دولار شهريا للأسرة المؤهلة والتي يقل دخلها عن مستوى معين. الإجرائات الأمريكية هزيلة جدا ولا ترتقي الى مستوى الحدث. الرئيس الأمريكي تعهد بتوفير 100 ألف جهاز تنفس لتوزيعها على مستوى الولايات المتحدة, عدد المصابين في مدينة نيويورك وحدها يبلغ 50 ألف شخص.
مرة أخرى, لقد فشلت الرأسمالية وساد الجشع وحب الذات والأنانية. أصبحنا نشاهد تهافت المواطنين الأمريكيين والأوروبيين على شراء أي سلعة تقع عليها أيديهم حتى خلت أرفف المتاجر تماما من السلع. وأصبحنا نشاهد مواطنين أمريكيين يقاتلون بشراسة من أجل شراء ورق الحمام. ونفذ من المتاجر على وجه الخصوص كل ماله علاقة بالتعقيم والنظافة مثل محارم التعقيم والكحول الطبي والديتول. بل إن بعض الأشخاص وحتى البقالات الصغيرة أصبحت تشتري تلك البضائع بكميات هائلة وتعيد بيعها بأسعار مضاعفة في متاجرها وعلى موقع أمازون وإيباي حيث من الممكن عقد مزادات للفوز بورق الحمام الثمين. وإنتشرت صور مؤسفة لأشخاص من كبار السن وهم يحاولون البحث في أرفف المتاجر الفارغة عما يسد رمقهم ولكن بدون فائدة. القادم الذي يجب على البشرية الخوف والحذر منه ليس فيروس كورونا, بل ماهو قادم بعد إنتهاء تلك الأزمة.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment