تحاول الحركات الشعوبية في دول الغرب أن تستغل مناخ الخوف وحالة القلق على مستقبل الحضارة الأوروبية التي تجتاح القارة الأوروبية ودول مثل الولايات المتحدة لكسب أصوات انتخابية والوصول الى كرسي الحكم. وعلى أرض الواقع، فقد حقَّقّت نجاحات في عدد من البلدان خصوصا الولايات المتحدة حيث فاز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية 2016، وفي الدانيمارك حيث يتم سن القوانين المعادية للهجرة بينما تشهد المانيا تصاعدا في شعبية الأحزاب النازية. الإعلام يلعب دورا رئيسيا في نشر الفكر المعادي للأجانب. في الولايات المتحدة، يشمل ذلك المهاجرين العرب المسلمين، المهاجرين القادمين من أمريكا اللاتينية ومؤخرا مع انتخاب دونالد ترامب، أضيف الأسيويون وتحديدا الصينيون الى القائمة. جوهر الحضارة الغربية هو حالة من العدائية مع الجميع وتبحث عن أي ذريعة لتبرير ذلك، الخطر على الحضارة الغربية يأتي من داخل تلك الحضارة نفسها.
انتهت الحرب الباردة وانهيار جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفياتي وانتهت عهد الأقطاب، الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، أو لنكن أكثر وضوحا، الرأسمالية ضد الشيوعية، وبدأ عهد الرأسمالية والمبادئ الليبرالية وانتظرت البشرية نهاية عهد الحروب والصراعات. ولكن المتابع على سبيل المثال لصناعة الأفلام في الولايات المتحدة، يلاحظ استمرار حالة العداء ضد الاتحاد السوفياتي السابق، الحرب الباردة مستمرة. وسائل الإعلام الأمريكية الغارقة في وحل من التفاهة والسخافة جعلت من روسيا الاتحادية، وريثة الاتحاد السوفياتي السابق، موضوعها المفضل، روسيا هي سبب مشاكل العالم. وفي الحقيقة، أي دولة لا تستجيب للإرادة الأمريكية سوف تكون سببا في مشاكل العالم وسوف يتم استهدافها. الولايات المتحدة تسعى لتفكيك أي دولة في العالم تشعر بأنها تشَّكِلُ خطرا عليها، روسيا الاتحادية دولة شاسعة المساحة وتحتوي على ثروات طبيعية متنوعة وبالتالي تشكِّلُ منافسا رئيسيا للولايات المتحدة على الساحة العالمية.
ولكن روسيا الاتحادية ليست الحالة العدائية الوحيدة التي أوجدتها السياسة الأمريكية أو لنكن أكثر وضوحا، الشعوبية الأمريكية، الصين نموذج آخر للحالة اللانهائية من العدائية وفق مبدأ من هو ليس معنا، فهو علينا. الإدارة الأمريكية تعبر عن قلقها من قوة الصين الاقتصادية عبر فرض العقوبات التجارية وتحريض حلفائها على محاصرة الصين اقتصاديا، الصين هي الشماعة التي تعلِّق الولايات المتحدة عليها أخطائها وخطاياها. الحكومة الكندية اعتقلت ابنة مؤسس شركة هواوي منغ وانزو. كما أن الولايات المتحدة حظرت معدات وأجهزة الشركة بذريعة تهديدها للأمن القومي. كما أنها فرضت رسوما جمركية على بعض الواردات من الصين مع التلويح بتوسيع القائمة إن لم تنصاع الصين للإرادة الأمريكية. الولايات المتحدة تتهم الصين بالتلاعب بسعر صرف اليوان للمحافظة على أفضلية تجارية للواردات الصينية بينما على أرض الواقع، فإن الإدارة الأمريكية هي من تتلاعب بالاقتصاد العالمي عبر طباعة الدولار بدون حسيب أو رقيب وتصدير التضخم للعالم.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم يكتفي بفزاعة الحرب على الإرهاب، روسيا الاتحادية والصين بل قام بشن حرب كلامية ضد المكسيك ومن على جبهة تويتر، هدَّد بفرض عقوبات على المكسيك متهما إياها بإغراق الولايات المتحدة بالمهاجرين المجرمين والمغتصبين والبضائع الرخيصة. العقوبات والتي سوف تكون عبارة عن رسوم جمركية على واردات المكسيك الى الولايات المتحدة هدفها تمويل جدار فاصل على الحدود مع المكسيك لمنع الهجرة الغير شرعية وتهريب البشر والمخدرات. اتفاقية التجارة الحرة(النافتا) هي سبب في زيادة البؤس والفقر في المكسيك حيث يحصل العمال على أبخس الأجور وأقل حماية لهم من قانون العمل المتراخي والذي تم تطويعه ليتناسب مع شروط اتفاقيات التجارة المجحفة. الشركات الأمريكية هي التي فرضت شروطها عند التوقيع على تلك الاتفاقيات بحثا عن مصالحها وتحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح وبالتالي فهي من عليها أن تتحمل تكاليف بناء الجدار الفاصل إن كان لبنائه أي جدوى، مثل الجدار الفاصل الذي حاولت مصر أن تبنيه على الحدود مع قطاع غزة وانتهى الى الفشل.
الولايات المتحدة عبارة عن دولة مبنية على مجموعة من التناقضات الصارخة، تنادي بالحريات وتضطهد مواطنيها بناء على العرق، الدين ولون البشرة، تطالب بعد تدخل الحكومات في الاقتصاد والسوق بينما تسارع لإنقاذ كبريات الشركات والمؤسسات المالية من أموال دافعي الضرائب عندما تواجه خطر الإفلاس، تتهم الصين بالتلاعب بسعر صرف اليوان بينما تتلاعب بسعر صرف الدولار وتفرضه بالقوة على الدول الأخرى في التعاملات التجارية الدولية، تفرض شروطها في اتفاقيات التجارة الحرة ثم تتذمر منها وتتهم الأخرين بسرقة الوظائف, تتذمَّرُ من تلاعب دول الأوبك بأسعار النفط بينما تستطيع بتصريح واحد أن تتحكم بسعر برميل النفط هبوطا أو سعودا, تتهم الدول الأخرى بالتجسس عليها بينما هي تتجسس على الدول بل وعلى مواطنيها أنفسهم, تسرق التكنولوجيا من الدول الأخرى وفي الوقت نفسه تعبر عن قلقها من التجسس الصناعي ضد الولايات المتحدة والقائمة تطول. مشكلة الولايات المتحدة ليست الحرب على الإرهاب أو اختلال الميزان التجاري مع الصين أو الهجرة الغير شرعية مع المكسيك أو حتى هجرة المسلمين، مشكلة الولايات المتحدة هي الجشع، الرغبة في الاستحواذ على العالم وثرواته بدون أن تشاركها أي دولة أخرى. هل مشكلة الولايات المتحدة الوحيدة هي هجرة العرب والمسلمين؟ الجواب هو لا. الولايات المتحدة عبارة دولة تجمع عصابات متحدة لتحقيق مصالح فئوية وعلى استعداد للتخلي عن كل شيء في سبيل ذلك.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment