Flag Counter

Flag Counter

Tuesday, May 14, 2019

الجنود المجهولون والحروب الرقمية, من هو المستفيد؟

عندما يتم استدعاء رجال الشرطة للتحقيق في جريمة ما, فإن أول ما يفكرون فيه السؤال عما إذا كان للضحية أعداء أو أنه كان على خلاف مع أحدهم, زوج قتل زوجته من أجل بوليصة تأمين على الحياة قامت بتوقيعها قبل وفاتها بأيام معدودة أو خلاف على الميراث وما شابه ذلك. في عالم السياسة, من الممكن أن نستفيد من ذلك المبدأ من دون أن نكون محققين في الشرطة. ونحن نقوم بذلك في محاولة لنجد إجابات على أسئلتنا حول ما يحصل حولنا, في عالم معقَّد حيث تتداخل فيه السياسة مع الإقتصاد, وحتى لا نكون ضحية للإعلام الكاذب الذي يحاول خداعنا وتزييف الحقائق. هناك الكثير من الأمور الغامضة التي تحدث حيث يغلق الملف وتقيَّد الجريمة ضد مجهول مع أن تبعات تلك الجريمة يتحملها العالم بأسره حيث يسقط عدد كبير من الضحايا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من دون أن يعرفوا أو يفهموا ماذا يحصل.
منذ أيام قليلة, شاهدت محاضرة ألقاها صحفي بريطاني, ديفيد باتريكاراكوس, حول دور الإنترنت في الحروب خصوصا وسائل التواصل الإجتماعي مثل فيسبوك وتويتر حيث خطوط الجبهة الأمامية في الحروب المعاصرة وحيث الجنود الرقميون يمتلكون مهارة إستخدام تلك الأسلحة الرقمية ويعيدون رسم مسار الصراعات في القرن الواحد والعشرين. أولئك الرقميون, الجنود المجهولون, يطلقون الإشاعات والأخبار المضللة حيث لا يتركون أثرا خلفهم, جريمة رقمية كاملة. ديفيد باتريكاراكوس في محاضرته قام بتوجيه أصابع الإتهام الى روسيا في صناعة محتوى رقمي مزيف له علاقة بالصراع حول أوكرانيا بهدف تضليل الرأي العام. ولكن باتريكاراكوس يرى الأمور بعين واحدة فهو أحد المساهمين في نشر المحتوى الإعلامي الرقمي المضلل على الشبكة العنكبوتية ووسائل الإعلام, إعلامي متحيز, غير حيادي ووجهة نظره تفتقر للشفافية والموضوعية. ولكن ذلك أمر طبيعي في عالم الصحافة حيث أن الحياد في نقل الأخبار أمر غير مطلوب بل مكروه, الصحافي يمثل وجهة نظر المؤسسة التي يعمل بها وهي التي تكون مسؤولة عن صياغة الأخبار التي تصلها من مصادرها حيث تصدر توجيهاتها حول ذلك. لا يوجد مؤسسة إعلامية مستقلة ولا يوجد صحفي مستقل, الحياد أمر غير مسموح ودائما فتش عن المال.
خلال حرب العراق الأولى(1990-1991), لم يسمح لصحفي واحد بإرسال تقارير حول الحرب من دون أن يكون يعمل انطلاقا من مركز إعلامي مركزي تتعرض الأخبار الصادرة منه لرقابة محكمة منعا لتسرب خبر غير مرغوب فيه. كما أن الصحفيين يتعرضون للرقابة منعا لإرسال الأخبار بشكل مستقل. حتى أنه هناك آراء بأن الولايات المتحدة خدعت المملكة العربية السعودية بأن الدبابات العراقية أصبحت في منطقة الخفجي على الحدود بين العراق والسعودية وذلك بإستخدام صور أقمار صناعية تم التلاعب بمحتواها بغرض ابتزاز السعودية وحشد الرأي العام الأمريكي والدولي الذي كان معارضا للتدخل الأمريكي. من الممكن إكتشاف تلك النوعية من الأخبار المضللة التي تتبع نمطا موحدا وتستخدم مصطلحات وكلمات مشتركة وكأنها صادرة من مكان واحد. السياسة الإعلامية التي تم إتباعها خلال الأزمة السورية تتبع ذلك النمط من التضليل ويطلق عليها حروب الجيل الخامس التي تعتمد على خلق تناقضات بين الدول والمجتمع وإحداث خلل في العلاقة بينهما بإستخدام كافة الأدوات الممكنة. حروب الجيل الخامس اكتسبت زخما غير مسبوق مع ظهور وسائل التواصل الإجتماعي الى حيز الوجود حيث تحولت الى حروب رقمية بإمتياز, حروب غير تقليدية تجري بدون تدخل عسكري مباشر حيث يتم إسقاط حكومات بدون إطلاق رصاصة واحدة ويبقى المستفيد مجهولا يقبع في الظل منظرا حصد نتائج مغامراته المجنونة.
وفي إطار الحرب على سوريا, برزت محطة الجزيرة القطرية التي إستعانت بشهود عيان يتم الاتصال بهم عبر هواتف تعمل بواسطة الأقمار الصناعية. المشكلة أنه تم إكتشاف عدد من شهود العيان المزعومين والقبض عليهم من قبل السلطات السورية حيث تبين أنهم يتواجدون في مدن أخرى ويستخدمون مؤثرات صوتية مسجلة مسبقا, بعضهم تم فضحه على الهواء مباشرة بسبب خطأ تقني مثل صوت التلفاز المرتفع. كما أن محطة الجزيرة قامت وبعد افتضاح أمر عدد من الفيديوهات المفبركة التي قامت بنشرها, وفي إطار التنصل من المسؤولية, نسبتها إلى مواقع على الشبكة العنكبوتية وناشطين حقوقيين, مواقع تم تأسيسها من بمعرفة قناة الجزيرة وبمساعدة تقنية من موظفيها, وناشطين حقوقيين يتلقون تمويلا من دولة قطر. قناة العربية السعودية ساهمت في الحرب الإعلامية على سوريا وكانت عنصرا أساسيا فيها حيث نقلت أخبارها من جنود رقميين مجهولين أو يتم التعريف بهم في أغلب الأحيان على أنهم ناشطون حقوقيون يتم إخفاء أسمائهم حفاظا عليهم من الملاحقة المجهولة. بعض أولئك الجنود المجهولون أو شهود العيان تبين أنهم لا يقيمون في سوريا بل في لبنان أو حتى دول أجنبية. مدونة فتاة سحاقية من دمشق هي مثال واضح على مساهمات إعلامية مدفوعة الأجر يقوم بها جنود رقميون وتكون جهات إعلامية أجنبية متورطة فيها. جون ماكماستر مواطن أمريكي مقيم في إسكتلندا لم تطأ قدماه الأراضي السورية قام بإنشاء مدونة فتاة سحاقية من دمشق بالإشتراك مع زوجته وذلك بإستخدام إسم منتحل "أمينة العمري" وصور شخصية تعود الى  فتاة بريطانية من أصل أوكراني تم سرقتها من صفحتها على موقع الفيسبوك.
مواطنون أمريكيون تم القبض عليهم في مصر متلبسين بإلقاء الزجاجات الحارقة على قوات الأمن خلال أحداث الربيع المصري وتم الإفراج عنهم بعد تدخل السفارة الأمريكية. سيارة مجهولة تبين فيما بعد أنها تعود للسفارة الأمريكية في القاهرة تقوم بدهس متظاهرين بينما شخص مجهول يقوم بتصوير الحدث من بدايته الى نهايته كأنه كان ويا للصدفة في الزمان والمكان المناسبين وفي التوقيت المناسب. أخبار كاذبة ومضللة تنشرها محطة البي بي سي البريطانية عن أموال الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك والتي تم إيداعها في بنوك خارجية وتبلغ 70 مليار دولار وذلك بدون حساب ثروات زوجته وأبنائه وممتلكاتهم داخل مصر. محطة السي إن إن الأمريكية تتورط بالإشتراك مع المعارض الفلسطيني المقيم في سوريا خالد أبو صلاح بتفجير خط أنابيب مصفاة النفط في حمص وتصوير فيديو وإتهام الحكومة السورية بالقيام بذلك. فيديوهات تم ضبطها في هواتف قتلى المعارضة السورية عند تحرير منطقة بابا عمرو في حمص فضحت الفيديوهات المفبركة عن جرحى مزعومين يتم عمل مكياج كامل لهم بإشراف خبراء محترفين حتى يظهروا بمظهر الضحايا حيث ظهر في عدد منها المعارض خالد أبو صلاح. وعلينا أن لا ننسى جنازات شهداء المعارضة المزعومين حيث يستيقظ الأموات وتطير النعوش في الهواء. كل ذلك هي أمثلة على حروب الجيل الخامس التي تعتمد على جنود رقميين مجهولين, نشر الإشاعات والأخبار الكاذبة عبر وسائل التواصل الإجتماعي, التضليل الإعلامي, الدعم الاستخباري وجمع المعلومات بينما يبقى المستفيد في الظل.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية

No comments:

Post a Comment