إن مانسبته ٣٠% من مجموع إستهلاك النفط في دول الأوبك يذهب لتوليد الطاقة الكهربائية وتتفاوت النسبة من دولة لدولة. في المملكة العربية السعودية تبلغ تلك النسبة ٥٠%, الكويت ٨٠% وقد تصل في العراق إلى ١٠٠%. دول مثل البحرين والجزائر وقطر يتم توليد مانسبته ١٠٠% من الطاقة الكهربائية من الغاز الطبيعي وليس النفط. دول الشرق الأوسط لا تتواجد بها بدائل تستخدم في توليد الطاقة الكهربائية إلا فيما ندر, في دولة مثل مصر, بينما بدائل مثل الفحم والطاقة الكهرومائية تعد غير متوفرة. الطاقة النووية كانت أحد الإقتراحات ولكن هل يكون ذالك خيارا مفضلا في منطقة تغص بالإضطرابات السياسية والإقتصادية؟
أكبر محطة في العالم لتوليد الطاقة الكهربائية بإستخدام النفط تقع في المملكة العربية السعودية حت إدارة مؤسسة الطاقة السعودية وتنتج ٣٠٠٠ ميجا-وات من الكهرباء بما يعادل مخرجات محطة نووية متوسطة الحجم في إحدى الدول الغربية. إنتاج تلك المحطة قد يبلغ ٥٠٠٠ ميجا-وات بفضل توسعات قد تستغرق سنتين لإتمامها وذالك ضمن خطة طموحة لمضاعفة إنتاج المملكة من الكهرباء بنسبة ٣٠٠%, أي ثلاثة أضعاف, بحلول سنة ٢٠٢٠.
شركة المرافق السعودية كانت تستهلك النفط بسعر أقل حتى من الذي يدفعه السائقون في المملكة عند مضخات النفط وذالك بموجب مرسوم ملكي حدد سعر ثابت مايعادل ٤٦ سينت أمريكي لكل مليون بي تي يو(BTU) وبرميل النفط يحتوي على ٥.٨ مليون بي تي يو(BTU), بما يعادل أقل من ٣ دولارات أمريكية للبرميل, ٧ سينت أمريكي للجالون.
إن مانسبته من إنتاج النفط التي تذهب لتوليد الطاقة الكهربائية في الشرق الأوسط تتزايد يوما بعد يوم وخصوصا مع نسبة زيادة سكانية تعد الأعلى في العالم بنسبة ٢%. فمنذ سنة ١٩٥٠ فإن عدد السكان في الشرق الأوسط قد تضاعف أربع مرات ليبلغ ٤٣٢ مليون ويتوقع زيادته بنسبة ٥٠% خلال الأربعين سنة القادمة.
زيادة إستهلاك البنزين الرخيص في دول الشرق الأوسط التي توفر دعم السعر للإستهلاك الداخلي تحول إلى زيادة في إستهلاك الطاقة الكهربائية. ففي المملكة العربية السعودية فإن سعر إستهلاك الكيلو-وات من الطاقة الكهربائية بالنسبة للمنازل يبلغ مايعادل ١ سينت أمريكي بينما في الولايات المتحدة أو كندا يبلغ متوسط ١٠ سينت أمريكي\كيلو-وات وبريطانيا ٢٠ سينت أمريكي\كيلو-وات. إن تلك المستويات السعرية جعلت الشرق الأوسط الأعلى في معدل إستهلاك الطاقة الكهربائية حيث تجاوزت دولة الكويت الولايات المتحدة في إستهلاك الطاقة الكهربائية للفرد وتجاوزت ضعفي معدل الإستهلاك في بريطانيا.
إنقطاع الكهرباء أصبح أمرا مألوفا في دول مثل المملكة العربية السعودية أو الكويت حيث الطلب يفوق العرض. دول عديدة في الشرق الأوسط سوف تجد نفسها مضطرة قريبا لإعادة النظر في النطاق السعري المدعوم للإستهلاك المحلي من الطاقة الكهربائية وذالك للسيطرة على تصاعد معدل الإستهلاك وخصوصا مع بروز تحديات جديدة تدفع بإتجاه المزيد من إستهلاك النفط داخليا. المملكة العربية السعودية قامت بالفعل مؤخرا برفع سعر إستهلاك الطاقة الكهربائية كما أن عددا من الدول الأخرى تدرس الأمر وسوف تقوم بتطبيقه إن عاجلا أم أجلا.
إن بعض البلدان كالمملكة العربية السعودية لاتواجه فقط مشكلة في تناقص إنتاجها من النفط أو زيادة الإستهلاك المحلي منه بل أيضا مشكلة توفر المياه الصالحة للشرب والزراعة. ليس المملكة العربية السعودية هي الدولة الوحيدة التي تواجه هذه المشكلة بل الكويت وعمان وقطر ودول أخرى كثيرة في الوطن العربي بل أغلب دولة الوطن العربي تعاني من مشكلة توفر المياه الصالحة للشرب.
الإحتياطيات المائية في المملكة العربية السعودية تعد ٥٠% أقل مما كانت عليه سنة ١٩٩٠ ومعدل الإستهلاك يفوق معدل الإستدامة بسبع مرات. في الكويت فإن معدل الإستهلاك يفوق معدل الإستدامة بعشرين مرة. وإذا أخذنا في الحسبان أن ٢\٣ من معدل الإستهلاك المائي يذهب للمجال الزراعي فإن العديد من الدول وخصوصا التي تنمو سكانيا وصناعيا, سوف تواجه خيارا صعبا, فإما الماء أو الغذاء حيث علينا أن نأخذ في الحسبان أن الدول التي تواجه زيادة سكانية فإنها تواجه زيادة الطلب على الغذاء.
سوف نأخذ مثالا بسيطا من زراعة القمح والأعلاف وصناعة الألبان في المملكة العربية السعودية حيث كانت في السبعينيات تنتج ٤.٥ مليون طن من القمح بينما حاجتها الفعلية ١.٥ مليون طن والفارق يذهب للتصدير. هناك دعوات في المملكة العربية السعودية لوقف زراعة القمح والإعتماد الكلي على الإستيراد بحلول سنة ٢٠١٦ وكذالك التوقف عن زراعة الأعلاف وخفض مستوى إنتاج الألبان الذي يرى بعض أصحاب وجهات النظر أنه يهدر الثروة المائية ويهدرها حيث أن مايتم تصديره هو الثروة المائية التي لا تقدر بثمن حيث أن نسبة لا يستهان بها من صناعة الألبان مخصصة للتصدير.
وللتعويض عن الفارق وضمان الأمن الغذائي فكان هناك الحل في الإستثمار في زراعة الأرز في تايلند وهناك أفكار لمشاريع زراعية في دول مثل السودان وباكستان للبحث عن أراضي خصبة لزراعة الأرز والقمح.
إستصلاح الأراضي الزراعية وخصوصا في المناطق الصحراوية وكذالك بناء المجمعات السكنية الجديدة يعد عاملا لزياة إستهلاك المياه وإستنفاذ المخزونات الجوفية فكان الحل هو بتحلية المياه.
محطات تحلية المياه هي أحد الحلول التي شرعت في تبنيها عدد من الدول ولكن يجب الأخذ بالحسبان أنه خيار سوف يفرض المزيد من إستهلاك النفط داخليا مما قد يؤدي إلى تناقص الكميات المخصصة للتصدير. المملكة العربية السعودية تعد في منطقة الخليج العربي ٦٠% من طاقة تحلية المياه وخصوصا في أكبر منشأة تحلية مياه في العالم حاليا وهي محطة الشعبية ٣ في الساحل الغربي للمملكة والتي من المفترض أنها بلغت طاقتها الإنتاجية القصوى سنة ٢٠٠٩ بتقدير ٣١ مليون قدم مكعب. هناك أيضا محطة تحلية مياه الجبيل في الساحل الشرقي بطاقة ٢٦ مليون قدم مكعب من المياه المحلاة ومحطة رأس الزور التي سوف تحل محل محطة تحل محل محطة تحلية المياه في الشعبية٣ كأكبر محطة تحلية مياه في العالم بطاقة ١٠٢٥ مليون متر مكعب(٣٥.٣١ مليون قدم مكعب) و٢٤٠٠ ميجا واط من الطاقة الكهربائية وذالك كمرحلة أولى. مما سوف يزيد من طاقة تحلية المياه في المملكة ٨٠% مع دخول تلك المحطات مرحلة الطاقة الإنتاجية القصوى.
المملكة العربية السعودية تستهلك من مخزونات مياهها الجوفية مايعادل ٧٠٠ مليار قدم مكعب سنويا ولتعويض ذالك عن طريق تحلية مياه البحر فسوف يتم التضحية بكمية من النفط ٣٠٠ ألف برميل أو مايعادلها من الغاز.
تقديرات البنك الدولي بحاجة الوطن العربي كمية مياه إضافية ٥٠ - ٦٠ مليار متر مكعب من المياه سنويا لفترة ١٠ - ١٥ سنة القادمة مما يستلزم إستهلاك مليون برميل من النفط يوميا بفرض إنتاجها عن طريق تحلية مياه البحر لعجز مخزونات المياه الجوفية عن تلبية ذالك الطلب المتزايد, كمية من النفط لن تملئ بها خزانات وقود السيارات أو تستخدم للتدفئة. ذروة الإستهلاك المائي سوف تسبق ذروة الإستهلاك النفطي بوقت كبير.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment