هناك مصطلح شائع في عالم الإقتصاد هو المجموع صفر (Sum Zero) ويتم إستخدامه للتعبير عن حالة إقتصادية من الخلل في توفر الموادر الطبيعية حين يكون الطلب أكبر من العرض حيث أن زيادة إستهلاك دولة معينة من النفط في تلك الحالة سوف يكون على حساب دولة أخرى. فمثلا زيادة إستهلاك الصين من النفط المستورد من دولة مثل فنزويلا سوف يكون على حساب أمريكا التي تستورد أكثر من ٥٠% من صادرات النفط الفنزويلية. تلك أخبار غير سارة للولايات المتحدة التي تستهلك ٢٠% تقريبا من إنتاج النفط في العالم بينما إنتاجها لا يتعدى ١٠%, هذه فجوة يتم تغطيتها عن طريق الإستيراد وخصوصا من فنزويلا والشرق الأوسط مع الأخذ بعين الإعتبار التغيرات الأخيرة والمتعلقة بتحول الولايات المتحدة لدولة مصدرة للنفط وهي تغيرات برأي لاعلاقة لها بتزايد إنتاج النفط الصخري بقدر علاقتها بتزايد إنتاج الغاز الصخري بكميات كبيرة دفعت سعره في بعض الأحيان للإنخفاض وإفلاس بعض الشركات.
لتوضيح تلك النقطة بشكل أكبر فعلينا أن ننظر إلى مجموعة إحصائيات وأرقام حيث أن إستهلاك الصين من النفط سنة ١٩٨٠ كان ٢ مليون برميل تقريبا بينما يبلغ في الأوقات الحالية يبلغ في حدود ١٠ مليون برميل. صادرات فنزويلا النفطية للصين إرتفعت بمقدار ثلاثة أضعاف منذ سنة ٢٠٠٥ لتصل إلى ١٢٥ ألف برميل بينما إنخفضت صادرات فنزويلا من النفط للولايات المتحدة من ١.٥ مليون برميل إلى أقل من مليون برميل. مرة أخرى تلك أخبار غير سارة لأمريكا التي لها مصلحة في الإستيلاء على كامل إنتاج فنزويلا من النفط لو إستطاعت حيث أن المسافة التي تقطعها ناقلات النفط من فنزويلا إلى أمريكا أقل من يومين حيث تكون المصافي الأمريكية جاهزة لتكرير النفط الفنزويلي الثقيل.
وهناك من سوف يسأل عن مصلحة الولايات المتحدة في السيطرة على كامل إنتاج فنزويلا من النفط وتكبد مشاق وعناء تدبير إنقلابات عسكرية إذا كانت هي نفسها تحولت إلى دولة مصدرة للنفط؟
والجواب هو لحرمان أعدائها منه حيث تعد الصين من أشد المنافسين للولايات المتحدة في المجال الإقتصادي والسياسي وليس شرطا أن الولايات المتحدة تعاني من تناقص إنتاجها النفطي حتى تسعى للسيطرة على المزيد من مصادر النفط. من ينظر للأمور بتلك الطريقة فنظرته قاصرة والولايات المتحدة لديها حسابات الربح والخسارة فيما يتعلق بتلك المسئلة, توفر الإمدادت النفطية لدول على عداء مع الولايات المتحدة.
إن زيادة مستوى العلاقة بين الصين وفنزويلا هو مبعث قلق بشكل متزايد للولايات المتحدة حيث أن الصين قامت بإقراض فنزويلا ٢٠ مليار دولار لرفع مستوى كفائة قطاعها النفطي وبنيته التحتية. أيضا هناك خط أنابيب لنقل النفط يتم التخطيط لبنائه من منطقة إنتاج النفط في فنزويلا حزام فاجا (Faga) مرورا بكولومبيا وإنتهاء بالمحيط الهادئ حيث مصافي النفط الصينية. إن خط أنابيب النفط هاذا يشكل عامل قلق للولايات المتحدة ومن كان يسأل عن أسباب تدخل أمريكا في فنزويلا ومحاولتها أكثر من مرة قلب نظام الحكم هناك, إبحثوا عن النفط.
إن كل ماسبق يفسر حالة الزيادة في الإنفاق العسكري الصيني حيث أن الصين أصبحت تمتلك حاملة طائرات وتحاول بشتى الوسائل الحصول على التكنولوجيا العسكرية.
إن نمو الإقتصادي للصين يحرك النمو الإقتصادي العالمي بشكل عام حيث أن إرتفاع عدد ملاك السيارات في الصين بنسبة ٣٠% سنة ٢٠١٠ قد أدى إلى إرتفاع المعدل العالمي إلى أكثر من مليار سيارة. إن الصين تحتل المرتبة الثانية في عدد أصحاب السيارات بعد الولايات المتحدة متجاوزة اليابان.
السؤال الذي يطرحه الكثيرون هو كيف تستطيع دول مثل الصين والهند إمتصاص الصدمة الناتجة عن إرتفاع أسعار النفط لتتجاوز حاجز المائة دولار؟
مرة أخرى سوف نلجأ للإحصائيات والأرقام والحقائق فلا مجال للعبث وشطحات الخيال عند محاولة شرح مثل تلك الأمور. الإحصائيات تؤكد أن إستهلاك دول أوروبا وأمريكا (OECD) للنفط في شتاء سنة ٢٠٠٧ الذي سبق الكساد الإقتصادي قد وصل لحاجز ٥٠ مليون برميل يوميا بينما إنخفض مع بداية مرحلة الكساد وحتى نهاية سنة ٢٠٠٩ إلى ٤٥ مليون برميل نفط يوميا بينما إرتفع إستهلاك النفط في الصين لنفس الفترة بنسبة ١٠%.
في الولايات المتحدة يتمتع المواطنون بنسبة ضرائب منخفضة جدا على الوقود ولكن في الوقت نفسه يسمح لشركات النفط ببيع النفط المكرر الذي تحوله لوقود بنظام الأسعار الحرة حيث يترك لكل شركة تحديد سعر منتجاتها بناء على قانون العرض والطلب. الكثير من الأمريكيين لا يرون في الضرائب المنخفضة على الوقود دعما حكوميا لتلك المادة بينما في الهند مثلا هناك دعم حكومي مباشر لأسعار الوقود قد يبلغ ١٠ مليار دولار سنويا وأيضا في الصين.
هناك عامل آخر له أهمية له علاقة بنمو دخل المواطنين في الصين والهند ودول أخرى بنسبة أسرع من نمو دخل المواطنين في أمريكا الشمالية. الكثيرون يقولون أن قابلية دول مثل الصين والهند إمتصاص إرتفاع أسعار النفط لا يعود للدعم الحكومي بقدر مايعود سببه للعوامل التي تقف وراء ذالك الإرتفاع في الطلب على النفط. في الصين فإن من يمتلك سيارة للمرة الأولى بسبب إرتفاع دخله الذي يمكنه من إستبدال دراجته الهوائية بسيارة فلن يكون مهتما بدرجة كبيرة بإرتفاع أسعار الوقود. هو لن يقود سيارته لمسافات طويلة ولن يستبدل سيارته القديمة التي يسجل عدادها ألاف الكيلوميترات بسيارة أخرى جديدة, هو فقط سوف يستبدل دراجته الهوائية بسيارة ولنفس الغرض الذي كان يقود به الدراجة.
إن إعتماد الصين الكبير على الفحم لتوليد الطاقة الكهربائية قد أثر بالإيجابية على توفر المزيد من براميل النفط لتحويلها لوقود للمركبات مما جعل توفر تلك المادة بأسعار مدعمة حكوميا في متناول مواطنين يرتفع دخلهم بإستمرار بسبب النمو الإقتصادي المتسارع. المشكلة هي في حال إنقطاع إمدادت الفحم أو إضطراب تلك الإمدادات خصوصا من دولة مصدرة للفحم إلى الصين مثل إستراليا حين تعرضت للفيضانات, فإن الإعتماد على محطات الكهرباء التي تستخدم النفط سوف يكون أكبر وسوف يعرقل إمدادات النفط المخصصة للإستهلاك في أوجه أخرى.
الولايات المتحدة مرت بواحدة من أسوأ الأزمات الإقتصادية سنة ٢٠٠٧-٢٠٠٨ مما أدى إلى إنخفاض الإستهلاك بمعدل ٢مليون برميل من ٢٠ مليون إلى ١٨ مليون وسوف يستمر بالإنخفاض في حالة أي أزمة أخرى إلى معدل يقل عن ١٥ مليون برميل من النفط. إن توليد الطاقة في الولايات المتحدة يعتمد على النفط والغاز والطاقة النووية وهناك إتجاه متزايد للإعتماد على مصادر الطاقة البديلة والسيارات التي تسير بالطاقة الكهربائية لتخفيف الإعتماد على نفط الشرق الأوسط ودول تعاني الإضطرابات مثل فنزويلا. وبتطبيق المبدأ الذي تحدثنا عنه سابقا وهو المجموع صفر (Sum Zero)فإن إنخفاض إستهلاك الولايات المتحدة من الطاقة سوف ينتج عنه زيادة إستهلاك دول أخرى سوف تقوم بالحلول محل الولايات المتحدة كمستورد لتلك البراميل الإضافية من النفط, وأظن الصين سوف تكون أول المرحبين بتلك الأخبار.
إن أمريكا تشعر أن مصالحها مهددة بالخطر بسبب خط نقل النفط الذي يتم التخطيط لبنائة من خلال المحيط الهادئ لإيصال النفط الفنزويلي إلى الصين وتشعر بالقلق بسبب وجود عوامل مشتركة بين الصين وفنزويلا أكثر مماهي بين الصين وأمريكا أو بين فنزويلا وأمريكا مما يجعل الطرفين شركاء تجاريين بإمتياز. إن نتيجة الشراكة التجارية المتزايدة بين الصين وفنزويلا سوف تكون على شكل تناقص إمدادات النفط الفنزويلي لأمريكا مقابل زيادتها للصين. وقد يظن البعض ومرة أخرى أكررها أن الولايات المتحدة لا تهتم لزيادة عمق العلاقات النفطية بين الصين وفنزويلا نتيجة تحولها لدولة مصدرة للنفط ولكن عند تلك النقطة أسأل عن سبب محاولة الإنقلاب على الرئيس السابق هيوجو شافيز والمتاعب التي يتم إثارته لخليفته في الحكم نيكولاس مادورو.
سؤال لن أقول لكم سوف تجيب عنه الأيام لأنها فعلا اجابت والشمس لا يمكن تغطيتها بغربال.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment