صدمت وأنا اقرأ كتاب "إم بي إس, صعود محمد بن سلمان الى السلطة," حين تحدث المؤلف بن هوبارد عن تفاصيل ما تعرض له رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري الذي تم خداعه ودعوته الى السعودية ثم احتجازه من أجل إجباره على الاستقالة من منصبه والتنازل عن شركة سعودي أوجيه التي أسسها والده رفيق الحريري. سعد الدين الحريري ليس أول ضحية العهد الجديد في السعودية, شركات بن لادن العريقة تم ابتلاعها بعد حادثة سقوط الرافعة في الحرم المكي والذي تثار حوله الشكوك. كما تم افتعال أزمات ضد شركات أخرى حيث تم تأخير دفعات مالية عن عقود مشاريع حكومية من أجل الضغط على أصحاب تلك الشركات للتنازل عنها في تكرار لما حصل مع أشخاص مثل الوليد بن طلال وآل البراهيم وغيرهم.
عاد رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري من الرياض في حالة مزاجية متفائلة بعد حضوره مؤتمرا للاستثمار في السعودية. الحريري سارع الى إخبار أعضاء حكومته خلال اجتماع في اليوم التالي بأنه التقى مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان حيث تم الإتفاق على تعزيز العلاقات بين البلدين واستئناف برنامج سعودي من أجل دعم الجيش اللبناني بمبلغ 3 مليار دولار. ولكن في مساء ذلك اليوم, تلقى مكالمة هاتفية من ديوان ولي العهد السعودي يخبره للعودة الى السعودية من أجل قضاء عطلة نهاية الأسبوع مع ولي العهد في مخيم في الصحراء. بعد أن هبطت طائرته في الرياض, تم اصطحابه الى مسكنه في موكب يليق به ومركزه الوظيفي. ولكنه لم يلتقي ولي العهد السعودي بل تلقى إتصالا هاتفيا بأنه سوف يتم إخباره بموعد المقابلة في اليوم التالي. وفي الساعة 8 صباحا, تلقى مكالمة هاتفية تخبره بأنه سوف يتم اصطحابه الى قصر ولي العهد السعودي. ولكن كانت المفاجأة عند وصوله حيث أحاط بموكبه الحرس الملكي وأجبروا مرافقيه على البقاء في أماكنهم وقاموا بمرافقة الحريري واثنين من حراسه الى داخل القصر حيث تم تجريدهم من هواتفهم وأسلحتهم واصطحاب سعد الحريري الى غرفة منفصلة.
ثامر السبهان, سفير السعودية السابق في العراق والمثير للجدل بتصريحاته, وسعود القحطاني, المستشار في ديوان ولي العهد السعودي, قاما بمواجهة سعد الحريري والضغط عليه من أجل تقديم إستقالته من منصبه مما سوف يؤدي الى إضطرابات في لبنان من أجل الضغط على حزب الله لسحب قواته من اليمن. كما قامت السلطات السعودية بمحاولة الإتصال بمسلحين فلسطينيين في المخيمات في لبنان من أجل المشاركة في مخطط إثارة الفوضى, ولكن ردهم كان الرفض. الحريري أخيرا خضع للضغوطات وخلال فترة مابعد الظهيرة بتاريخ نوفمبر/4/2017, قرأ بيانا معدا له مسبقا حيث إنتقد إيران وحزب الله وأعلن تقديم إستقالته من منصبه. نادر الحريري, أحد أقرباء سعد الحريري ومدير مكتبه قام بالإتصال به حيث أجاب الأخير أنه فرَّ من محاولة إغتيال تعرَّضَ لها في لبنان. ولكن ذلك لم يقنع أحدا حيث لم يسمع أي من رؤساء الأجهزة الامنية اللبنانية عند سؤالهم عن محاولة الاغتيال المزعومة. كما أن إعلان الإستقالة من دولة أخرى واللغة الرسمية للخطاب ومستوى النقد الموجه الى إيران وحزب الله والتي لم يستخدمها الحريري من قبل جعلت الشكوك تحوم حول أن سعد الحريري تعرض للاختطاف في السعودية.
زوجة الحريري زارته في مكان إقامته الجديد على مقربة من فندق الريتز كارلتون مساء تلك الليلة وقامت بالإتصال بمساعديه في بيروت حتى تخبرهم أنه محتجز في السعودية ضد إرادته. كما أن أحد حراس الحريري الذين سمح لهم بالعودة الى لبنان من أجل الإهتمام بوالدته المريضة قد تحدَّثَ عن حقيقة ماحصل وكيف أن رئيس وزراء لبنان تعرَّضَ للإختطاف وأنه أجبر على إعلان إستقالته. إن إعلان الحريري إستقالته من منصبه كانت بمثابة زلزال من الدرجة العاشرة بالنسبة الى حزب المستقبل الذي خشي قادته من أن يستغل خصومهم السياسيون الفرصة ويعلنون رئيس وزراء مؤيدا لهم من أجل شغل المنصب الشاغر. الرئيس اللبناني ميشيل عون نجح في تفويت الفرصة على كل من يرغب في الإصطياد في المياه العكرة ورفض قبول استقالة الحريري حتى يقدمها له شخصيا وفي لبنان. حتى بالنسبة الى المسؤولين في الحكومة اللبنانية, كان الأمر بمثابة الصدمة. رئيس جهاز الأمن العام اللواء عباس إبراهيم قام بزيارة عدد من السفراء الأجانب حتى يخبرهم أن رئيس وزراء لبنان تعرض للاختطاف في السعودية. جريدة الأخبار اللبنانية نشرت موضوعا أو سلسلة من المواضيع بعنوان "أيام الريتز: وقائع غير منشورة من قصة اختطاف سعد الحريري."
لقد كانت هناك محاولات سعودية وهي مستمرة حتى الأن من أجل تنصيب بهاء الحريري, شقيق سعد الحريري, رئيس وزراء وزعيما للسنة في لبنان. ومن أجل ذلك, تواجد بهاء الحريري في السعودية خلال الفترة نفسها التي أعلن فيها شقيقه إستقالته. سعد الدين الحريري نجح عبر وسيلة إتصال مشفرة في إيصال رسائل مختلفة الى مساعديه من أجل رفض المحاولات السعودية وأنه أجبر على الإستقالة وأن شقيه بهاء الملقب "البركان" بسبب سرعة غضيه موجود في السعودية وأنه عليهم أن يقاوموا الضغوطات السعودية. أسرة سعد الحريري, أشقائه وأقربائه, رفضت الدعوة من أجل زيارة سعد الحريري في السعودية بعد أن إكتشفوا وجود بهاء هناك وأن الهدف هو الضغط عليهم من أجل إجبارهم على قبول تنصيبه رئيسا للوزراء وزعيم تيار المستقبل. وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق, أحد المقربين من سعد الحريري, أصدر بيانا غاضبا أن اللبنانيين ليسوا قطيعا وأن لبنان ليس ملكية خاصة وأن الأمور في لبنان تجري بالانتخاب عبر صناديق الإقتراع.
باقي التفاصيل من مقابلة بولا يعقوبيان مع رئيس الوزراء اللبناني في الرياض وضغوطات الدول الغربية عبر سفاراتهم في السعودية والتي توجت بإنذار الرئيس الفرنسي بإطلاق سراح رئيس الوزراء اللبناني وعودته الى لبنان و تراجعه عن استقالته, يمكن قراءتها في كتاب بن هوبارد "إم بي إس, سعود محمد بن سلمان الى السلطة" الفصل التاسع عشر بعنوان (لدينا سبب للاعتقاد أن رئيس الوزراء خطف من قبل المملكة العربية السعودية - We have reason to believe that the Prime Minister was kidnapped by Saudi Arabia).
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment