Flag Counter

Flag Counter

Saturday, August 10, 2019

هل ساهمت العولمة في مكافحة الفقر في دول العالم الثالث؟

أحد النقاط الرئيسية التي يروج لها المدافعون عن العولمة أن دخول دول العالم الثالث في تلك المنظومة قد ساهم في تقليص الهوة الطبقية بين الأغنياء والفقراء. ولكن على أرض الواقع, اتفاقيات التجارة الحرة قد أدت الى زيادة حدة الفقر واتساع الفوارق الطبقية خصوصا في دول آسيوية ودول الشرق الأوسط. الصين, وذلك رأي شخصي, ليست مثال يصلح لاستخدامه لأنها عبارة عن إستثناء لا يجوز تعميمه. الكتلة السكانية الهائلة في الصين بالإضافة الى طبيعة نظامها الحاكم قد لعبا دورا رئيسيا في قصة النجاح الصينية, المنتجات الصينية الزراعية والصناعية قد أغرقت أسواق العالم. هناك دول نامية قد تضررت بشدة من ذلك الإغراق بسبب قدرة الصين على الإنتاج الكمي مما يسمح لها التحكم بالأسعار. في فيلم وثائقي تم بثه على شبكة نيتفلكس بعنوان "Rotten", يتحدث صانعو الفيلم عن قيام الصين بزراعة وتصدير الثوم الى الأسواق العالمية ومنافسة المزارعين المحليين في عقر دارهم. ولكن الثوم ليس إلا نقطة صغيرة والفيلم يحمل رمزية تختصر حكاية النجاح في عالم العولمة حيث لا مكان للضعفاء. الصين قادرة على إنتاج كميات هائلة من البضائع والخدمات منخفضة الثمن وهي ليست مقيدة بالقوانين التي تحكم مخرجات الإنتاج في دول أخرى وتجعلها غير قادرة على منافسة الصين.
صناعة الملابس والمنسوجات هي مثال واضح آخر على التأثيرات التي تحدثها إتفاقيات التجارة الحرَّة في إقتصادات الدول النامية. معامل في دول مثل بنغلاديش, باكستان في آسيا والمكسيك في أمريكا اللاتينية تقوم بتوظيف مئات الأشخاص في ظروف أقرب الى العبودية المعاصرة بدون أي حقوق و أجور ضئيلة قد لا تتجاوز دولارين في اليوم. زبائن قاموا بشراء ملابس من صناعة شركة زارا الإسبانية قد وجدوا رسائل استغاثة من عمال في مصانع للشركة في تركيا تشكو عدم قبضهم أجورهم. الشركة الإسبانية التي تحقق أرباح تبلغ أكثر من 8 مليار دولار سنويا كانت قد تعاقدت مع شركة برافو تكستل لقيامها بصناعة الملابس التي تحمل علامات تجارية تتبع شركة أنديتكس, الشركة الأم المالكة لعلامة زارا التجارية, قد أغلقت معامل تابعة لها بدون أن تقوم بتصفية حقوق العمال ودفع أجورهم. إتفاقيات التجارة الحرَّة مثل نافتا أضرت بصناعة الملابس المحلية في دول مثل المكسيك حيث لا يتمكن عمال مصانع من شراء الملابس التي يقومون بحياكتها بأيديهم بسبب إنخفاض أجورهم وكونها تتبع ماركات تجارية عالمية. في فيلم "BorderTown" الذي قامت ببطولته الممثلة جينيفر لوبيز ويقتبس أحداثه من الواقع, تتعرض عاملات يعملن في مصانع محلية في إحدى البلدات الحدودية في المكسيك للعنف والتحرش الجنسي والقتل أحيانا. 
هناك ازدواجية في تطبيق بنود اتفاقيات التجارة الحرة لأن نظام العولمة هو نظام للأقوياء يفرضون من خلاله شروطهم على الأضعف منهم. في فيلم وثائقي عن العولمة بعنوان (لعبة العولمة-أكذوبة التجارة الحرَّة) بثته قناة دي دبليو(DW), يتحدث صانعو الفيلم عن تلك المعايير المزدوجة, وكيف أن الإتحاد الأوروبي يفرض رسوما حمائية ضد المنتجات المستوردة خصوصا من الصين لحماية الصناعة المحلية, ولكنه في الوقت نفسه يمنع دولا أفريقية مثل الكاميرون من القيام بالأمر نفسه لحماية مزارعيها المحليين. البضائع الزراعية المستوردة مثل البصل الذي يتم استيراده من هولندا قد أغرق الأسواق المحلية في الكاميرون مما أدى الى مواجهة المزارعين المحليين صعوبات و اضطرارهم الى تغيير نوعية المحاصيل التي يقومون بزراعتها. دول الإتحاد الأوروبي تقوم بدعم المزارع المحلي وكذلك في الولايات المتحدة حيث تقدم الحكومة دعما ماليا للمزارعين المحليين مما يجعلهم قادرين على المنافسة في ظل نظام اقتصادي تسوده العولمة واتفاقيات التجارة الحرة. الولايات المتحدة ودول الإتحاد الأوروبي تمارس سياسة الإغراق ضد أسواق الدول النامية ولكنها في الوقت نفسه تتهم الصين بأنها تغرق العالم بالبضائع الرخيصة وتتلاعب بقيمة عملتها لدعم صادراتها, الأمر الذي تقوم الولايات المتحدة به حيث تتلاعب بسعر صرف الدولار عن طريق طباعته دون أي تغطية حقيقية.
إن من يتوافق مع منظومة العولمة وإتفاقيات التجارة الحرَّة عليه أن يكون في موقف المدافع بإستمرار لأن تلك المنظومة التي لا ترحم قد تم تصميمها لكي تكون غير عادلة وغير منصفة. العلامات التجارية العالمية مثل شركة زارا للملابس, نايكي للأحذية, آبل للإلكترونيات لا تقوم بتصنيع منتجاتها بنفسها بل يقوم بتلك المهمة طرف ثالث قد يكون في الصين, تايوان, بنغلاديش, ماليزيا أو المكسيك. إن مهمة مالكي تلك العلامات التجارية تقتصر على الترويج والدعاية بدون تحمل أي مسؤولية أخلاقية حيث يتهربون متذرعين بأنه ليس لهم علاقة مباشرة بجهة الإنتاج التي لا تلتزم بشروط العقد أو بقوانين العمل المحلية. الولايات المتحدة خلال فترة حكم الرئيس بيل كلينتون هي من وافقت على دخول الصين منظومة التجارة الحرة العالمية. ولكن قضية الاتهامات الموجهة للصين والتي تتمحور حول التلاعب بسعر صرف اليوان لإعطاء أفضلية للصادرات الصينية هي قضية يتم استغلالها لأهداف سياسية. هناك دول أخرى مستعدة لتشغل الدور الذي تلعبه الصين في الاقتصاد العالمي. الهند, المنافس الرئيسي للصين ودولة صاعدة في آسيا تمتلك الميزات المهمة التي تجعلها قادرة على منافسة الصين, كتلة سكانية وأجور عمالة منخفضة. دول أخرى مثل أندونيسيا, فيتنام, كمبوديا, بنغلاديش هي دول أخرى قادرة على منافسة الصين كل في مجاله وتخصصه. العولمة ومنظومة إتفاقيات التجارة الحرَّة هي سلاح ذو حدين حيث وأنه مع مرور الوقت سوف تتعرض تلك المنظومة للتآكل ويتم إنتاج منظومة أخرى تضمن إستمرار تدفق البضائع والخدمات بين دول العالم.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

No comments:

Post a Comment