هناك صفحات مجهولة في تاريخ منطقة الشرق الأوسط, شخصيات غامضة ساهمت في رسم حدود المنطقة خصوصا بلاد الشام والرافدين وبالكاد نسمع عنها في وسائل الإعلام أو المناهج الدراسية والجامعية. إتفاقية سايكس-بيكو لم تهبط هكذا بالمظلات ولا وعد بلفور كتبه البريطانيون بواسطة الحبر السري. البريطانيون و بدرجة أقل الفرنسيون كانوا يرسلون الجواسيس تحت مسمى بعثات تنقيب عن الآثار بعثات تبشيرية. في البداية كان الهدف المعلن هو إثبات صحة روايات التوراة تاريخيا ثم تدريجيا كشفت تلك البعثات عن وجهها الحقيقي وهو دراسة كافة جوانب حياة العرب والمسلمين تحت مسمى الاستشراق والذي ازداد خلال الفترة التي أعقبت الحملة الفرنسية على مصر(١٧٩٨م) و اكتشاف حجر رشيد.
الليدي البريطانية هستر ستانهوب(١٧٧٦-١٨٣٩) كانت سليلة أسرة من النبلاء والموظفين الحكوميين الرفيعين. سافرت في البداية الى إسطنبول ثم القاهرة حيث إستقبلها الأعراب بحفاوة وكانت حريصة على أن تحيط نفسها بمظاهر الفخامة والأبَّهة ومن ثم سافرت الى لبنان وإستقرت في بلدة جون على بعد ثمانية أميال من مدينة صيدا حيث قامت ببناء منزل ضخم عرفها السكان المحليون بأنه (دار الست). لعبة هستر ستانهوب دورا رئيسيا في تحريض الدروز في بلاد الشام على الحكم العثماني وكان ذلك بداية زرع بذور الفتنة الطائفية بين الدروز والموارنة بداية سنة ١٨٤١م وصولا الى سنة ١٨٦٠م تاريخ المقتلة التي كان ضحيتها أكثر من ٢٠ ألف مسيحي ماروني حيث أنزلت فرنسا فوات على السواحل السورية في متصرفية جبل لبنان.
غيرترود بيل هي مستشارة سياسية عملت مع المندوب السامي البريطاني بيرسي كوكس مستشارة سياسية وكان لقبها (خاتون) بينما يعتبرها عراقيون أنها جاسوسة بريطانية. ساهمت خاتون في رسم حدود العراق والأردن وكان لها الفضل في تعيين أبناء علي بن الحسين فيصل وعبدالله الأول ملوكا. كانت غيرترود بيل على علاقة وثيقة مع أهم شيوخ القبائل في العراق والأردن وزارت منطقة حائل في المملكة العربية السعودية وقرأت في بعض المصادر أنها التقت عبد العزيز آل سعود. توفيت غيرترود بيل سنة ١٩٢٦م ودفنت في العراق ومازال العراقيون من كبار السن يزورون قبرها ويقولون لها الفاتحة.
هناك مؤرخون يعتقدون ان اتفاقية سايكس-بيكو ووعد بلفور ظهرا هكذا الى الوجود فجأة أو كما تصف عبارة الحدث بأنه "أمرٌ دبِّرَ بليل." العرب خلال تلك الفترة الزمنية ومازالوا للأسف في قمة سذاجتهم السياسية وكانت ظهور نساء من ذوي البشرة البيضاء بينهم أمر أشبه بالمعجزة. الإدارة الإستعمارية البريطانية على رأسها ونستون تشرشل وزير المستعمرات كانوا يعلمون ما يفعلون وإرسالهم النساء الجواسيس كان عن سابق علم ومعرفة بعادات وتقاليد العرب خصوصا القبائل البدوية . تاريخ بلاد الشام والعراق رسمت حدوده النساء الجواسيس وعلى الرغم من أهمية تلك المرحلة إلا أنها تبقى مجهولة بالنسبة الى الكثيرين.
مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية
النهاية