Flag Counter

Flag Counter

Monday, August 22, 2022

الثورة العربية الكبرى ٣

هناك أمر مهم عند الحديث أو نقاش أي موضوع تاريخي وهو التجرد من التعاطف مع أي طرف من الأطراف التي يشملها الحديث وذلك أمر أتفق مع من يذكر أنه صعب بل مستحيل. الصدفة أحيانا تخدم الغرض إن إتَّفق الهوى مع الحدث والوقائع التاريخية. الثورة العربية الكبرى(١٩١٦م-١٩١٨م) هي أحد أهم الأحداث التي رسمت تاريخ المنطقة العربية بل هو أهم حدث كما قد يرى بعض المؤرخين. المشكلة الفلسطينية هي أحد فصول تلك الثورة والحرب العالمية الأولى هي فصل آخر تورط فيها العرب رغما عنهم حيث تحالفت الدولة العثمانية ممثلة في جمعية الإتحاد والترقي مع ألمانيا القيصرية والإمبراطورية النمساوية-المجرية في تحالف دول المركز ضد دول المحور بريطانيا, فرنسا, روسيا القيصرية, صربيا, اليونان ودول أخرى.

إنَّ حالة العداء بين إمبراطورية المانيا القيصرية و الإمبراطورية البريطانية هي السبب المباشر لقيام الحرب العالمية الأولى وإغتيال الأرشيدوق النمساوي فرانز فرديناند وريث عرش النمسا وزوجته ليس إلا مجرَّد ذريعة كانت تبحث عنها بريطانيا ودول المحور منذ سنة ١٩٠١م حيث كان المسرح مهيئا للحرب وتم التمهيد لذلك من خلال حرب البلقان الأولى والثانية. المنافسة على السيادة البحرية كانت أسباب حالة العداء بين ألمانيا وبريطانيا حيث قامت ألمانيا القيصرية ببناء قوة عسكرية وصناعية بدأت من خلالها منافسة بريطانيا خصوصا سلاح البحرية الألماني حيث كانت السفن الحربية الألمانية هي أول من إستخدم النفط بدلا من الفحم مما منحها ميزة على سلاح البحرية البريطاني وذلك أمر كانت بريطانيا تنظر له بعدم الرضا والقبول.

الدولة العثمانية والتي كان يحكمها خلال تلك الفترة السلطان عبد الحميد الثاني بدأت في تلقي تقارير عن بعثات بريطانية وفرنسية ظاهرها التنقيب عن الآثار والحقيقة هي أنّ مهمة تلك البعثات كان التجسس وجمع المعلومات عن مناطق تواجد النفط مع التركيز على العراق  خصوصا منطقة الموصل. السلطان عبد الحميد الثاني والذي للأمانة التاريخية لم يكن ساذجا أو تنقصه الحنكة والنظرة الثاقبة أعلن عن تحويل تلك الأراضي إلى ملكية مباشرة للعرش السلطاني, أراضي أميرية, وبدأ في التعاون مع ألمانيا القيصرية في محاولة منه من أجل تخفيف الضغوط البريطانية أو هكذا كان يعتقد مما أدى في النهاية الى الإطاحة به. 

إن مشروع خط سكة حديد برلين-بغداد كان أحد ثمار التعاون العثماني-الألماني والذي بدأت بريطانيا تشعر بأنه تهديد مباشر لمصالحها عندما تقرَّرَ أن يمتد الخط الى الكويت والتي كانت خلال تلك الفترة تتبع محافظة البصرة العراقية وتعرف بإسم الكوت. سنة ١٨٩٩م تم توقيع الاتفاقية بين كل من ألمانيا القيصرية والإمبراطورية العثمانية وذلك بتمويل من بنك دويتشه الألماني والذي تمكَّن في الوقت نفسه من الحصل على موافقة السلطان العثماني بإستثمار الثروات الطبيعية مسافة عرضها ٢٠كم على جانبي الخط. علماء الجيولوجيا الألماني منذ سنة ١٩١٣, تحققوا رسميا من وجود النفط بكميات كبيرة في المنطقة التي يمر بها خط السكة الحديدية خصوصا جنوب مدينة الموصل على طول المسافة الممتدة لنهر دجلة. إن الإطلاع على خط السير المقترح للسكة الحديدية يلاحظ أنه يتبع تلك المكامن البترولية بحيث تكون من ضمن حدود 20 كم المتفق عليها على كل جانب من جانبي خط سير السكة الحديدية.

الرد البريطاني جاء سريعا حيث وأنه في نفس السنة ١٨٩٩م, تم توقيع اتفاقية الصداقة الأنجلو-كويتية بين الحكومة البريطانية والشيخ مبارك الصباح الذي كان يلقَّبُ بإسم مبارك الكبير. الحكومة البريطانية قطعت الطريق أمام الدولة العثمانية وحليفتها ألمانيا القيصرية من الوصول الى الخليج العربي ومنه إلى قناة السويس وتهديد المستعمرة البريطانية في الهند, درة التاج البريطاني. إنه أحد أسباب دخول بريطانيا الحرب العالمية الأولى والتي لم تأخذ حقها من النقاش التاريخي هي مشروع خط حديد برلين-بغداد والذي كان تهديدا جيو\سياسيا لمصالح بريطانيا لم يكن من الممكن أن تتغاضى عنه. 

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

النهاية


 


 


No comments:

Post a Comment