الأشخاص المرضى بالإسلاموفوبيا ورهاب الأجانب يرفضون الإعتراف بأن وجهة نظرهم حول تعميم صفة الإرهاب على المسلمين هي بكل بساطة فاشلة. إن الحرب على الإرهاب هي إنعكاس لخوف الغربيين على حضارتهم التي تعيش المراحل النهائية من التدمير الذاتي. إن الكثير من أولئك المصابين برهاب من كل ماهو إسلامي يرفضون الاعتراف بأن اختراعات و إنجازات العلماء المسلمين قد ساهمت في النهضة في دول الغرب التي كانت تعيش في الظلام في نفس الوقت الذي تزدهر فيه الحياة في مدن المسلمين في دمشق, بغداد وفي قرطبة التي كانت تتمتع بأرقى معايير الحياة العصرية من حيث الخدمات مثل الحمامات العامة, أنظمة الصرف الصحي وإنارة الشوارع ليلا. كما أنهم يناقشون المشكلة الديمغرافية في أوروبا بكل التحيز الذي يمكنهم وكأنه على المسلمين أن يقلقوا من إمتناع نساء الدانمرك أو السويد أو كندا أو إسبانيا عن إنجاب العدد الكافي من الأطفال من أجل ضمان إمداد سوق العمل بالأيدي العاملة الكافية لاستمرار نظام التقاعد الذي يصفه مارك بالرفاهية والتساهل في منح الإمتيازات.
إن التحيز الذي تمارسه وسائل الإعلام الغربية في نقدها للإسلام ليس بمستغرب فهم يقبضون مقابله المال كرواتب شهرية وأجور الدعاية والإعلان من الشركات المختلفة. كما أن معاهد الأبحاث التي تتبع اليمين المحافظ تجمع التبرعات والرسوم وهي بالتأكيد لن تعرض وجهة نظر محايدة. إن الإسلاموفوبيا بفضل الرأسمالية التي يمكن تلخيص مبادئها بأنه لكل شيئ ثمن قد تحولت إلى صناعة تدر على العاملين بها دخولا تتراوح بين مئات الألاف إلى مئات الملايين من مبيعات الكتب, المواضيع التي تنشرها الصحف واللقاءات على وسائل الإعلام المختلفة. وحتى أكون منصفا فإن التعصب الإسلامي يجني أيضا الكثير من المال من صناعة الكراهية الخاصة به, فهناك عدد كبير من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة التي تعزف على وتر الكراهية لأتباع الديانات الأخرى وحتى أتباع المذاهب الإسلامية الأخرى. ولنكن واضحين, كلا الطرفان يحتاج كل منهما للأخر, صناعة الكراهية عند المتطرفين من كلا الطرفين تغذي بعضها بعضا.
إن الدعاية السلبية ضد المسلمين والتي تعززها تصرفات بعض المسلمين أنفسهم وتصريحاتهم لا تعني بالضرورة تعميم تلك الدعاية على جميع المسلمين. كما أن أحداثا تاريخية مثل الحروب الصليبية أو محاكم التفتيش الكنسية ليست سببا لتفجير محطات قطار في لندن أو مهاجمة مطار في بلجيكا أو حوادث الطعن التي تجتاح أوروبا حيث تحولت السكين إلى الأداة المفضلة للذبح وبإسم الدين والله. ولكن طرفي الصراع الإسلامي-المسيحي يمارسون إزدواجية المعايير. الإسلام لم يكن له دور في الحروب الدينية الأوروبية ولم يكن طرفا في الحرب العالمية الأولى والثانية والتي أفنت سكان أوروبا وقضت على نسبة كبيرة منهم. العراق تم حصاره لسنوات بذريعة امتلاكه أسلحة الدمار الشامل حيث قتل أكثر من مليون طفل عراقي بسبب نقص الغذاء والدواء ومن ثم تم غزوه عسكريا وتدمير بنيته التحتية وتشريد سكانه وقتلهم وفتح معسكرات إعتقال تتم فيها ممارسات يندى لها جبين البشرية والإنسانية. ولم يتم إكتشاف أسلحة الدمار الشامل في العراق وتم تدمير ذلك البلد في حرب أعلنها جورج بوش الإبن صراحة أنها حرب صليبية. وماذا كانت نتيجة الحرب على العراق؟ كانت ظهور تنظيمات إرهابية أكثر دموية من سابقاتها حيث ظهر تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين الذي تفوق على تنظيم القاعدة في الإجرام والدموية ومن بعده ظهر تنظيم داعش والذي تفوق على جميع من سبقوه والأن يروج الإعلام الغربي لتنظيم خراسان المتطرف.
إن الإسلام أو المسيحية هي مجرد أديان لا تروج للسلام او للعنف بل ذالك يعتمد على معتنق الدين وعلى تصرفاته. فإذا كان الشخص بطبيعته محبا للسلام فسوف تنعكس طباعه وتصرفاته في ممارساته الدينية والعكس صحيح. كما أن هناك الكثير من النصوص في الديانة المسيحية واليهودية التي تحرض على العنف ضد أتباع الديانات الأخرى والتي يؤمن بها أتباع كل من الديانتين ويعملون على تطبيقها. ومن السخافة تبسيط الأمور أن مرتكبي أعمال العنف من أتباع الديانة المسيحية أو اليهودية لا يقتبسون نصوصا من الإنجيل أو يصورون فيديوهات يقتبسون فيها تلك النصوص قبل ارتكاب أعمالهم الإجرامية. إنهم يقرأون تلك النصوص ويؤمنون بها أو بصحتها, أليس كذالك؟ وعلى من يلقي باللائمة على الأديان وليس الأشخاص في إرتكاب الأعمال العنفية والإجرامية أن يفسر معدلات الجريمة المرتفعة خصوصا حالات الإغتصاب والسرقة والمخدرات في دول ومجتمعات تصف نفسها بالعلمانية وتتفاخر بفصل الدين عن الدولة, الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا ودول أخرى في الغرب. كيف يتم تفسير حادثة القتل الجماعي في لاس فيجاس سنة ٢٠١٧ حيث فتح مسلح النار من نافذة غرفته في أحد الفنادق على حفل موسيقي بالقرب من الفندق؟ وماهو التبرير لتعدد حوادث إطلاق النار المدارس والجامعات الأمريكية؟ وماذا عن حادثة القتل الجماعي في النرويج سنة ٢٠١١ حيث فتح يميني متطرف يدعى أندريس برينج النار على معسكر لمن وصفهم بأنهم من الشبيبة اليسارية المؤيدة للمسلمين وقضاياهم؟ كيف سوف يتم تبرير كل تلك الحوادث؟ وكيف سوف يتم تبرير انحياز وسائل الإعلام الغربية في وصفها للجرائم التي يرتكبها الأشخاص ذوي الخلفية البيضاء بأنها جرائم جنائية بينما يتم توصيفها نفس الجرائم الإرهابية إذا إرتكبها العرب أو المسلمون؟
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment