قامت مجلة النيوزويك(The NewsWeek) الأمريكية في مايو\٢٠٠٥ بنشر تقرير صحفي من معتقل غوانتانامو في كوبا يزعم أن حراس السجن قاموا بتدنيس القرآن الكريم بإلقاء نسخة منه في أحد مراحيض السجن أثناء التحقيق مع أحد المعتقلين. النتيجة كانت مظاهرات عارمة في عدد من البلدان العربية والإسلامية ومحاولة الهجوم على السفارات, القنصليات والمصالح الأجنبية وحرق بعضها. كما أسفرت تلك المظاهرات عن مقتل ١٥ شخصا وجرح عدد من الأشخاص. مجلة النيوزويك نشرت توضيحا اعتذرت فيه عن التقرير الذي تبين أنه خطأ وأنه يخالف الإجرائات المعمول بها في المعتقل عند التعامل مع القرأن الكريم حيث يطلب من الحراس عدم لمسه باليد وارتداء قفازات عن القيام بذلك. اعتذرت النيوزويك عن التقرير ولكن هل يكفي الإعتذار؟ المجلة أوضحت أن مصدر التقرير هو مصدر موثوق من داخل الحكومة الأمريكية إعترف عن مراجعته من قبل مسؤولي المجلة أنه سرب إليهم المعلومات على الرغم من عدم موثوقيتها. أنا بالطبع لست مؤيدا لردات الفعل الهمجية التي قامت بها الغوغاء والرعاع ولست مؤيدا لإستخدام العنف للرد على مثل تلك المزاعم حتى قبل تثبت مصداقيتها من عدمه. كما أنني لست أفهم العلاقة بين مهاجمة مطعم كنتاكي أو حتى سفارة دولة غربية كردة فعل على إهانة القرآن الكريم في معتقل غوانتانامو أو بسبب الرسوم الكاريكاتورية المسيئة التي نشرتها مجلة دنماركية وبين الإصطفاف خلف أبواب تلك السفارات في طابور انتظار طويل من أجل تقديم طلب للهجرة أو لشراء وجبة من مطعم كنتاكي أو أحد مطاعم التوكيلات الأجنبية.
إن محاولات وسائل الإعلام الغربية, المؤلفين ومن يزعمون أنهم خبراء في الإسلام والإرهاب الإسلامي لتوجيه النقد السلبي للإسلام ومحاولة التشكيك بالدين الإسلامي وإلصاق تهمة الإرهاب بالمسلمين لن تتوقف. والسبب في ذلك أنها صناعة تدر دخلا ماليا كبيرا على العاملين بها وتخدم أهداف واضعي السياسات الغربية في أنها توفر لهم شماعة لتعليق أخطائهم عليها وتلميع صورتهم أمام الناخبين. إن تقرير النيوزويك يمكن أن يعتبر محاولة متعمدة لإهانة الإسلام يعقبها ردة فعل من المسلمين ثم يبدأ الإعلام الغربي بالعزف على وتر الإسلاموفوبيا والإرهاب الإسلامي وإثارة الفزع عند الرأي العام الغربي وخلق حالة من الصورة النمطية السلبية عن المسلمين. إن وسائل الإعلام في الوطن العربية مصابة بالشلل النصفي عند تعاملها إعلاميا مع مثل تلك التصرفات التي تصدر من أشخاص ليسوا معنيين بمكافحة الإرهاب او بسلامة المواطنين الغربيين بل بجمع التبرعات ومبيعات الكتب وحسابات بنكية متضخمة بإستمرار. بل وهي في أفضل الأحوال تنشر مواضيع خجولة وردود سطحية خوفا من غضب سفارات الدول الغربية التي قد تعتذر للرأي العام العربي نفاقا و تملقا وتصدر تصريحات مستنكرة زاعمة أن الحكومات الغربية لا تملك التأثير على الإعلام الذي يعتبر مستقلا وأن حرية الرأي والتعبير في الغرب من الأمور التي لا تستطيع الحكومات المساس بها.
إن ما يثير إهتمام وسائل الإعلام الغربية بكل ما يتعلق بالإسلام وليس بالديانات الأخرى كالديانة البوذية والهندوسية وحتى المسيحية هو أن الإسلام دين عالمي قابل للتوسع والانتشار بدون التقيد بحدود جغرافية معينة. كما أن الإسلام يعتبر أسرع الأديان إنتشارا في الغرب ويضم عددا متزايدا من الأتباع في وقت تعاني فيه المسيحية في الدول الغربية من الاندثار حيث الكنائس فارغة في أغلب الأوقات بل ويتم بيع بعضها لهيئات إسلامية تقوم بتحويلها إلى مساجد ومراكز إسلامية. إن تبني وسائل الإعلام الغربية, مراكز الأبحاث والناشطين الغربيين وجهات النظر التي تعادي الإسلام وتصف المسلمين بالإرهابيين يخدم مجموعة أهداف لعل أهمها: أولا, إن أي حضارة بدون مواجهة أي تحديات لفترة زمنية طويلة سوف تشيخ وتهرم وتتوقف عن التجديد والابتكار والأمثلة من التاريخ على صحة ذلك متعددة. الكنيسة الكاثوليكية كانت هي الممثل الوحيد للحضارة الغربية حتى تاريخ الانشقاق الكنسي في القرن السادس عشر وحتى قبل ذلك التاريخ عقدت المجامع المسكونية حيث إنقسمت المسيحية على نفسها وتم ارتكاب المذابح بحق المخالفين وحرق كتبهم. والسؤال هو عن الهيئة التي سوف تكون عليها الديانة المسيحية والحضارة الغربية لو بقيت الكنيسة الكاثوليكية في روما هي المهيمنة على المشهد الديني في الغرب؟ ثانيا, إن الحضارة الغربية لن تجد أفضل من الإسلام تتخذه عدوا فهو دين يتميز بأنه مقاوم لعوامل التآكل الزمنية ويتجدد باستمرار مع عدد كبير من الأتباع المخلصين بما يضمن حالة لا نهائية من الصراع. الحضارة الغربية والتي برزت الرأسمالية كرمز لها بعد تحييد الدين عن الدولة خلال الفترة التي أعقبت الثورة الفرنسية وجدت عدوها في الشيوعية حيث بدأت الحرب الباردة مباشرة بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية وانتهى ذلك الصراع سنة ١٩٨٩\١٩٩١بسقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي. وقد تم إستخدام الإيديولوجيا الإسلامية لمواجهة الشيوعية وهي من المذاهب الإلحادية خلال مرحلة الحرب الأفغانية وصولا لمرحلة خروج القوات السوفياتية من أفغانستان ثم بدأت مرحلة الاصطدام مع تلك الأيدولوجيا نفسها بذريعة الحرب على الإرهاب.
إن الذي يوجهون إنتقاداتهم للدين الإسلامي بأنه إنتشر بالسيف وأن المسلمين أشخاص لديهم استعداد لارتكاب العنف بحق المخالفين يتجاهلون الحقائق التاريخية وحتى وقائع معاصرة تنفي تلك الإنتقادات التي تحولت لوصم المسلمين بالإرهاب وتعميم تلك التهمة عليهم. إن جميع الحضارات والأمم والامبراطوريات السابقة قد شنت الحروب ضد جيرانها وتوسعت جغرافيا على حسابهم رغم أن بدايتها متواضعة: الإمبراطورية الرومانية بدأت بقرية صغيرة وكذالك إمبراطورية الإسكندر الأكبر وإسبرطة وغيرها الكثير. الصراع بين الحضارة الإسلامية والمسيحية ليس بحالة استثنائية والمسيحية لم تنتشر إلا على حد سيوف جنود الإمبراطور الروماني قسطنطين الذي ذبح المخالفين بدون رحمة أو شفقة حيث إستمر مسلسل المجازر مع من خلفوه في الحكم وكان يتم إقامة مهرجانات دموية حيث يتم إلقاء المعارضين للوحوش المفترسة أو صلبهم. إن الإسلام الذي بدأ بعدد قليل من الأشخاص ويتم الإشارة لأتباع الإسلام الأوائل بالحفاة قد أسقطوا إمبراطوريات وقاموا بغزو دول وإرسال حملات عسكرية على جيرانهم من القبائل المعارضة ولكن ذلك لم يخرج عن السياق التاريخي للأحداث. فالمسلمون كانوا أكثر رحمة بأعدائهم من غيرهم من الأمم السابقة حيث كانوا يمنحونهم الخيار بين قبول الإسلام, دفع ضريبة تسمى الجزية أو القتال. وحتى في قتالهم, كانوا يتبعون أوامر عسكرية وأخلاقية صارمة بعدم الاعتداء على السكان المسالمين والمتعبدين في صوامعهم ومن يزرعون حقولهم وعدم قطع الشجر بينما كان جنود الإمبراطورية الرومانية يحرقون الأخضر واليابس ولا يرحمون الشعوب المهزومة, يستعبدون رجالها ويسترقون النساء ويستغلون الأطفال كعبيد أو يجبرونهم على التدريب العسكري والخدمة في الجيوش الرومانية. هناك دول لم ينتشر فيها الإسلام بواسطة السيف, أندونيسيا على سبيل المثال وهي أكبر دولة إسلامية من حيث تعداد السكان المسلمين فيها.
إن الجرائم التي يتم ارتكابها من قبل تنظيمات ترتدي عباءة الإسلام لا تبرر إتهام المسلمين بالعنف أو وصمهم بتهمة الإرهاب. الأعمال الإجرامية التي تقوم بها تلك التنظيمات تخدم أهدافها ومصالحها الضيقة سواء الإقتصادية أو السياسية وتخدم بالتأكيد أهداف السياسيين الغربيين الذين يشبهون الغريق الذي يتعلق بقشة ويبحث عن مخرج لتبرير قوانين من المفترض أنها تخدم مكافحة الإرهاب ولكنها على أرض الواقع مصممة لسلب المواطنين الغربيين حرياتهم والتضييق عليهم. إن وجهة النظر تلك تماثل وجهة النظر التي يتبناها مفكرون غربيون في سعيهم للتعمية على التاريخ الدموي للمسيحية خصوصا الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش التي لها دوافع دينية ومذهبية وليس لها أي علاقة برد فعل على غزوات المسلمين كما يزعمون. لا يوجد أي منطق عقلي يدعم العلاقة بين الهجمات الإرهابية في أوروبا وإستخدام طائرات بدون طيار لقصف أعراس المدنيين في أفغانستان أو خيام الرعاة في اليمن بذريعة الحرب على الإرهاب. العراق هي أحد الأمثلة التي مازالت حية في الذاكرة على التدخل الغربي في بلدان عربية تتحول إلى مفرخة للإرهابيين ووكر للإرهاب حيث لم يتم العثور على أسلحة دمار شامل في العراق وفشلت محاولات لربط العراق بالإرهاب بذريعة العلاقة مع تنظيمات إسلامية متطرفة. الصومال هو مثال أخر على وقاحة التدخل الغربي في شؤون الأخرين في محاولة لفرض نظام سياسي أو إقتصادي معين عليهم. الصومال, ذلك البلد في أفريقيا ذي الموقع الحيوي على طرق الملاحة البحرية تم التدخل فيه من قبل القوى الغربية بدلا من أن يترك أهله وشأنهم في اختيار النظام السياسي الذي يناسبهم فتم استبدال تنظيم المحاكم الإسلامية والذي كان ذو طبيعة قبلية بتنظيم الشباب المتطرف الذي يعتبر نفسه مواليا لتنظيم القاعدة مما يسمح للدول الغربية بالتواجد فيه عسكريا بدعوى مكافحة التطرف والإرهاب. إن التنظيمات الإرهابية والمتطرفة لا تمثل الإسلام ولا المسلمين كما أن تنظيم كو كلوكس كلان أو جيش الرب لا يمثلون المسيحية ولا المسيحيين. الإرهاب أمر بشع ومدان وكذالك إزهاق الروح البشرية دون أن يكون الشخص قد ارتكب جريمة تستحق عقوبة القتل هو أيضا أمر بشع ومدان. الإسلام لا يحرض على العنف وإخراج النصوص الدينية من سياقها التاريخي سوف يؤدي إلى فهم مغلوط ليس للإسلام فقط بل للمسيحية او اليهودية والديانات الأخرى كذلك.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment