Flag Counter

Flag Counter

Thursday, October 26, 2017

من يحصون الأصوات هم من يقررون كل شيئ

المفكر جاك روسو ذكر في كتابه العقد الإجتماعي خطأ المفهوم الشائع لدى الشعب الإنجليزي حول الحرية وأنهم يخدعون أنفسهم بتوهمهم أنهم أحرار فهم في الحقيقة ليسوا كذالك إلا خلال الفترة التي تستغرقها عملية إنتخاب أعضاء البرلمان حيث يعودون على إثر إنتهائها فاقدي الأهمية ومكبلين بالأغلال.
ولكن ماهي الحرية؟
ينقل عن الكاتب الكبير مكسيم غوركي مقولة "الحرية هي أول خمس دقائق ولدت فيها أبكي عاريا, بلا إسم, بلا خطيئة, بلا توجهات, وبلا حقد بشري". وهناك مقولة أخرى تنقل عن الموسيقار المبدع زياد الرحباني وهي "بعد خمس دقائق من ولادتك سيقررون إسمك, جنسيتك, دينك وطائفتك وستقضي طوال حياتك تقاتل وتدافع بغباء عن أشياء لم تخترها".
إن مناقشة مفهوم الديمقراطية يعد مسألة خلافية لن تنتهي إلى نتيجة حيث لن يتفق شخصان حول ذالك المفهوم. فخلال مقابلة أجراها أحد الصحفيين البريطانيين مع شخصية من المعارضة الفنزويلية خلال فترة حكم الرئيس السابق هيوجو تشافيز, إتهم ذالك المعارض النظام في فنزويلا بأنه شيوعي وبالتالي غير ديمقراطي وأنه يفكر جديا في المغادرة للولايات المتحدة. وحين إستغرب الصحفي ذالك وسأله إن قام نظام هيوجو تشافيز بتأميم الممتلكات والشركات أو أنه صادر منه منزله الفخم أو أمواله في البنوك, فكانت الإجابة بلا. المسألة إذا ليست أكثر من نفوذ سياسي أو شهوة السلطة هي مصطلح أخر يصلح لإستخدامه. سيطرة الحكومة الفنزويلية على النفط أزعج أصحاب المصالح الخاصة لأن النفط يمثل دخلا رئيسيا لفنزويلا وبالتالي فإن من يتحكم فيه يمتلك على نفوذ سياسي هائل.
إنه من عجائب الأمور المتعلقة بالديمقراطية أن الجميع يرغب بها ولكن في الوقت نفسه لا أحد يؤمن بها أو يصدقها. إن مانسبته 91% تقريبا من السكان على مستوى العالم يؤمنون بأن الديمقراطية هي الوسيلة المثالية للحكم. إن ذالك يعد رقما مرتفعا مقارنة بالفترة التي تلت إنتهاء الحرب العالمية الثانية حيث كانت هناك 25 دولة على مستوى العالم تصنف بأنها ديمقراطية. وفي سنة 1972 إرتفع الرقم إلى 44 دولة. وفي سنة 1993 إرتفع الرقم إلى 72 دولة بينما في عصرنا الحالي فإنه هناك 117 دولة تصنف على أنها دول ديمقراطية.
الشعوب بطبيعتها متعلقة بالقشور وتفتقر النظرة العميقة وبعد النظر فهي معجبة بالديمقراطية كفكرة ولكن على أرض الواقع فالأمر مختلف. التجارب التي مرت بها بلدان الربيع العربي كمصر وتونس في إثر أحداث الربيع العربي قد أدت إلى إنكشاف الجانب المظلم للنظام الديمقراطي بطبيعته الحالية. الصورة المثالية التي يرسمها البعض ممن يختبرون العملية الديمقراطية لأول مرة في مخيلتهم سوف تجعلهم يصابون بالصدمة حين يجابهون الحقائق في العالم الواقعي. الديمقراطية تحقق أقصى النتائج الإيجابية حين تتفق جميع الاطراف على الإحتكام لصندوق الإنتخاب وذالك في الوطن العربي وحتى في أوروبا أمر مستحيل.
النظام الديمقراطي سوف يصل لمرحلة من الإنهيار والإفلاس السياسي وفقدان المصداقية بسبب صراع الأحزاب السياسية والمصالح. الشعوب في الغرب وأوروبا منقسمة على نفسها على الرغم من جذور العملية الديمقراطية ترجع إلى ألاف السنين في بعض البلدان ومازال من الممكن حشد دعم شعبي وراء الديمقراطية كفكرة عامة ولكن بالتأكيد فإن المؤسسات التي من المفترض أنها تقوم على تطبيق الفكرة وتحويلها إلى واقع ملموس كمجالس النواب والمجالس البلدية وغيرها قد فقدت ثقة المواطنين.
على سبيل المثال فإن مانسبته 33% من المواطنين في الدول الأوروبية سنة 2012 كانوا مازال يشعرون بالثقة تجاه مؤسسة الإتحاد الأوروبي(EU) بينما كانت النسبة سنة 2004 تبلغ 50% بينما تبلغ الثقة بالبرلمانات الوطنية في الوقت الحالي 28% وبالحكومات 27% وهي أسوأ أرقام تسجلها إستطلاعات الرأي حتى تاريخه. إن ذالك ليس إلا بداية سلسلة من الأرقام الصادمة فالإحصائات والإستطلاعات وإستبيانات الرأي تطشف أن 3.9 من بين كل 10 مواطنين أوروبيين يثقون بالأحزاب السياسية, 4 من بين كل 10 يثقون بحكوماتهم, 4.2 من بين كل 10 يثقون ببرلماناتهم و 4.3 من بين كل 10 يثقون بالإعلام.
في الولايات المتحدة فاز رجل الأعمال وقطب العقارات دونالد ترامب بمنصب الرئيس إثر معركة إنتخابية شرسة توقع الكثيرون فيها خسارته امام منافسته وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون حيث أظهر فوزه شرخا في المجتمع الأمريكي الذي إتضج للجميع أنه منقسم على ذاته بإعتراف هيلاري كلينتون بل وترامب نفسه الذي وعد بتوحيد البلاد وأنه سوف يكون رئيسا لجميع الأمريكيين. إن فوز دونالد ترامب بأرفع منصب سياسي في الولايات المتحدة والأحداث التي تلت خصوصا المظاهرات الرافضة لرئاسته في مدن كنيويورك والتي تعد معقلا ديمقراطيا تقليديا. كما أنه كانت هناك عدد من الفيديوهات الصادمة التي عرضتها الوسائل الإعلامية كعدد من حوادث الإعتداء من قبل مؤيدين لهيلاري كلينتون على أنصار دونالد ترامب ورفع أعلام النازية فوق بعض المنازل أو رسم الشعار النازي على أبواب بعض منازل المواطنين الأمريكيين من أصل لاتيني في ولايات تعد معاقل لأنصار دونالد ترامب. ولكن لعل أكثر إثارة للإستهجان كان قيام مواطنة أمريكية من أصول أفريقية مؤيدة لهيلاري كلينتون بالإعتداء على طفلها الذي لم يتجاوز ستة أو سبعة أعوام بالضرب والطرد من المنزل  لأنه أخبرها بتأييده لدونالد ترامب في إستفتاء إفتراضي تم تنظيمه في المدرسة المحلية حيث يتلقى تعليمه.
هيلاري كلينتون فازت بالتصويت الشعبي بفارق مليون صوت عن دونالد ترامب ولكن في الولايات المتحدة فإن من يقرر الفائز الفعلي بكرسي الرئاسة هو مايعرف بالمجمع الإنتخابي-مندوبي الولايات حيث لكل ولاية عدد من المندوبين فيما يعرف بالمجمع الإنتخابي. المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب تمكن من حصد الأصوات في ولايات مؤثرة وأخرى تعرف بأنها ولايات متأرجحة في الولاء بين الحزبين الأمريكيين الرئيسيين بفارق أصوات المندوبين في المجمع الإنتخابي مما يجعل أي محاولة لقلب النتيجة ضده بالغة الصعوبة بل ومستحيلة وليس كما تصور بعض الوسائل الإعلامية العربية أو حتى الأجنبية منها التي مازالت تعاني الصدمة ولم تستفق منها حتى هذه اللحظة.
إذا من الواضح أن هناك عددا من المواطنين والسياسيين الأمريكيين يرفضون بالمطلق ترامب كرئيس للولايات المتحدة بل ووصل الأمر ببعض حكام الولايات إلى إعلان نيتهم عصيان الرئيس في حال أصر على تطبيق قراره بالترحيل الفوري لثلاثة ملايين مهاجر ممن يمتلكون سجلا جنائيا وذالك بشكل مبدئي على أن يتبعه ترحيل جميع المخالفين لقانون الأقامة والجنسية والذي يبلغ عددهم 11 مليون شخص تقريبا.
إن عدد الرافضين لرئاسة ترامب يبلغ أكثر من نصف عدد المواطنين الذين قاموا بالتصويت في الإنتخابات الرئاسية الأخيرة التي منحت الحزب الجمهوري سيطرة مطلقة على مجلسي الشيوخ والنواب مما زاد في مخاوف الأمريكيين والمتعلقة من إتخاذ قرارات لا تحظى بالشعبية كإلغاء برنامج الرعاية الصحية الذي أقره الرئيس باراك أوباما وتعيين قضاة في المحكمة العليا معارضين لحق الإجهاض وحقوق المثليين وقضايا خلافية أخرى حيث أبدى البعض رأيه إن النظام الديمقراطي في الولايات المتحدة وصل لمرحلة الشيخوخة وأن حال الولايات المتحدة والعالم بأجمعه سوف يتغير في الفترة التي سوف يجلس فيها دونالد ترامب في كرسي المكتب البيضاوي ولن يكون كما كان في الفترة التي سبقته.

النهاية

2 comments:

  1. سـ أقوم على تحويل النص إلى لوحاات فنية ، عبارات وجمل تتفجر من هذا النص ، وعلى أمل تجميد الزمن بها لـ تبقى وأن نستحضرها كل ما أردناها أو احتجناها

    من حرك هذا الشغف هي هذه العبارة
    " إنه من عجائب الأمور المتعلقة بالديمقراطية أن الجميع يرغب بها ولكن في الوقت نفسه لا أحد يؤمن بها أو يصدقها "

    عميقة ومتجدرة

    يتفتق أماي في المخيلة الخاصة بي التي تحاول إعادة نشر المعرفة بـ طرق مختلفة

    لن أقول أنها عملي ! بل هواية أصبحت شغف في حياتي

    كل المحبة التقدير لك عزيزي الكلاسكيي

    ...

    ReplyDelete