يعد السكر أحد أهم مصادر الطاقة للجسم كما أن خارطة اللسان والتي تضع مواضع تذوق السكر في مقدمته تعد ترجمة خاطئة لأعمال طالب ألماني متخرج سنة 1901 حيث ذكر أنه من الممكن تذوق المزيد الحلاوة في مقدمة اللسان. الأبحاث اللاحقة أثبتت أنه في كل مناطق اللسان هناك مستقبلات للحلاوة وليس فقط في مقدمته. شركات صناعة المواد الغذائية تعرف كل ذالك وأكثر منه عن الأسباب التي تدفعنا للشعور بالرغبة في تناول المواد السكرية, فتلك الشركات تمتلك أقساما بحثية متخصصة يعمل بها خبراء متخصصون ويقبضون رواتب خيالية مقابل أبحاثهم.
إن متوسط إستهلاكنا السنوي من السكريات يعادل 72 رطل سعرة حرارية بما يعادل 22 ملعقة صغيرة من السكر يوميا. تلك الكمية يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام من حيث المصدر: قصب السكر, البنجر(Beets) ومجموعة من المحليات منشأها نبات الذرة تتضمن مركبات تحتوي على نسبة عالية من سكر الفواكه(Fructose) مع قليل من العسل.
كريستوفر كولومبوس بحسب بعض المراجع التاريخية كان أول من أتى بنبات قصب السكر إلى العالم الجديد في رحلته الثانية حيث قام بتأسيس مزارع لتلك النبتة في عاصمة جمهورية الدوميتيكان(Santo Domingo) بالإعتماد على العبيد للعمل في تلك المزارع وإنتاج السكر الخام لشحنه إلى أوروبا بدايات سنة 1516.
أثناء الحصار البحري البريطاني لفرنسا سنة 1807 والذي كان السبب في إنقطاع تلك المادة والتي كانت تصدر من المستعمرات الفرنسية خصوصا في أفريقيا وجزر الكاريبي, فقد أدى سعي الشركات الفرنسية للبحث عن بديل لتلك المادة إلى إكتشاف إمكانية إستخراجها من نبات البنجر والذي يمكن زراعته بسهولة في الأجواء المناخية الأوروبية.
سنة 1970 ومع إرتفاع أسعار قصب السكر والبنجر فقد أدى بحث الشركات لمصدر رخيص وعملي إلى إكتشاف إمكانية إستخراج السكر من نبات الذرة. إن سكر الفواكه(الفركتوز) والذي يستخرج من الذرة يتمتع بميزتين, أولهما أنه سائل ممايعني إستخدامه مباشرة خصوصا في منتجات المشروبات الغازية والثانية أن إنتاج الذرة مدعوم بموجب برامج حكومية تمنح منتجيه إعفائات ضريبية وتتقاسم معهم بعض تكاليف الإنتاج.
في الفترة بين سنتي 1970-2000 فقد إرتفع إستهلاكنا من المشروبات الغازية إلى 40 غالون سنويا ولكنه إنخفض إلى 32 غالون بحلول سنة 2011. إن ذالك الإنخفاض صاحبه إرتفاع إستهلاك السكر من مصادر أخرى حيث إزداد إستهلاك المشروبات كالشاي, القهوة, مشروبات الطاقة والمياه الغنية بالفيتامينات وغيرها حيث إرتفع إستهلاك السكر عن طريق تلك المصادر إلى 14 رطل سنويا للشخص الواحد.
إن تاريخ زراعة وصناعة السكر معروف ومشهور ولكن الأقل شهرة هو الأبحاث العلمية وخصوصا التي كانت تجريها شركات صناعة الأغذية والمشروبات الغازية على الأسباب التي تدفعنا للرغبة في تناول المواد السكرية من الناحية البيولوجية والنفسية. سبب كون تلك الأبحاث أقل شهرة بين العامة على الأقل أن أغلب ما ينشر منها لايكون إلا في دوريات علمية متخصصة ويتم التكتم على الكثير من الأبحاث والنتائج المتعلقة بها من قبل الشركات والأقسام البحثية التابعة لها بسبب المنافسة التجارية.
كان هناك إحساس بين العلماء والمختصين منذ بداية سنة 1960 بأن المكونات السكرية في الأغذية قد تدفع الأشخاص إلى الإستهلاك زيادة عن حاجتهم ولكن ذالك بقي مجرد إحساس بدون دليل علمي حتى قام أحد الطلاب الجامعيين في الولايات المتحدة بإجراء تجاربه على الفئران. تلك التجارب والنتائج التي توصلت إليها كانت بمحض الصدفة حيث كان يحتفظ بمجموعة من الفئران كحيوانات أليفة ويقوم بإطعامهم حبوب الطعام(Froot Loops) من إنتاج شركة كيلوج(Kellogg) والتي كانت تتميز بإحتوائها على نسبة عالية من المواد السكرية وذالك على سبيل تدليل حيواناته الأليفة. بعد فترة قام بملاحظة زيادة نهم الفئران للأطعمة السكرية بشكل عام والفئران بطبيعتها تركن للأماكن المظلمة حيث كانت تتخذ أظلم بقعة في القفص كمأوى. الطالب الجامعي (Anthony Sclafani) قام بوضع حبوب الطعام السكرية في أكثر الأماكن إضائة في القفص ليكتشف بعد المراقبة أن غريزة الفئران قد تغيرت بشكل جذري متواجدة بشكل دوري في منتصف القفص حيث كان يضع لها طعامها المفضل. في مرحلة لاحقة حين أصبح نفس الطالب يحمل درجة الدكتوراه في علم النفس ويعمل بدرجة مساعد بروفيسور في كلية بروكلين في نيويورك فقد كان يقوم بتجربة على الفئران تتطلب زيادة وزنها, الطعام المخصص للكلاب لم يكن يفي بالغرض فإستحضر تجربته القديمة حين كان طالبا يرعى الفئران كحيوانات أليفة. قام بإرسال أحد مساعديه لشراء البسكويت وغيرها من الأطعمة التي تتميز بنسبة عالية من السكريات فحقق نتائج رائعة. الفئران كانت تقبل بنهم على الأكل خصوصا الحليب كامل الدسم وقطع الشوكولاتة حتى أنها أصيبت بالتخمة وبفترة قياسية بينما كان إقبالها على الأطعمة المحتوية على الدهون ضعيفا ولم يحقق النتائج المطلوبة.
نتائج تلك التجربة تم نشرها في روقة بحثية سنة 1976 كأول دليل علمي على مايعرف بمصطلح(Food Craving) الرغبة الملحة لتناول الطعام. إن نشر تلك الورقة البحثية أحدث تحولا كبيرا في الأبحاث المتعلقة بكيفية تعامل الجسم مع الأغذية التي تحتوي مواد سكرية حيث تفرغ عدد كبير من العلماء والمعاهد البحثية لإجابة على سؤال واحد متعلق بعلاقة السكر بالإفراط الاإرادي لتناول الطعام.
في ولاية فلوريدا قام علماء بتعريض الفئران لصدمات كهربائية في حال إقترابها من الأطعمة السكرية ولكنها لم ترتدع عن إعادة المحاولة مرة بعد أخرى وفي جامعة برينكتون(Princeton) التي تقع في ولاية نيوجيرسي كانت الفئران التي تعرضت لإجراء جراحي هدفه الحد من قابليتها على الأكل تصدر أصواتا تشبه الصرير كردة فعل على عدم قدرتها على تناول طعامها السكري المفضل.
إن مركز مونيل(Monell Chemical senses) والذي يقع في مدينة فيلاديلفيا يعد رائدا في مجال أبحاث كيمياء الحواس حيث كانت الأبحاث تجري من قبل العديد من شركات صناعة الأغذية والعلماء للإجابة على سؤال واحد عن سبب تمتع المواد السكرية بالجاذبية لدى المستهلك.
في سنة 2001 إكتشف علماء المركز جزيء البروتين(T1R3) والذي يتموضع على حلمات اللسان المسؤولة عن تذوق المواد السكرية بل قاموا بتتبع مستشعرات السكر المنتشرة في الجهاز الهضمي والإستنتاج انها من المحتمل أن تلعب دورا رئيسيا في عملية التمثيل الغذائي. إن ذالك ليس الإنجاز الوحيد الذي تحقق لعلماء المركز بل إنهم سجلوا إنجازا بإكتشافهم لأول مرة مايعرف بحالة(munchies). تلك الحالة ظلت مرتبطة تقليديا بتعاطي نبته الماريجوانا ولكن علماء مركز مونيل إكتشفوا أن مستقبلات الطعم الحلو على اللسان من الممكن أن تتم إثارتها عن طريق بروتينات تدعى (endocannabinoid) تفرز في الدماغ لزيادة القابلية لتناول الطعام. تلك البروتينات تنتمي لنفس مجموعة البروتينات التي تدعى (Tetrahydrocannabinol - THC) حيث تعمل بنفس طريقة التأثير على الدماغ وتعد المكون الرئيسي الفعال لنبات الماريجوانا وهاذا يفسر شعور متعاطيها بالجوع الشديد.
المعضلة التي يعاني منها مركز مونيل بشكل رئيسي هي التمويل. يتلقى المركز حوالي 50% من تمويله الذي يبلغ حوالي 17.5 مليون دولار سنويا من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين على شكل منح حكومية بينما باقي التمويل مصدره الشركات الخاصة خصوصا شركات صناعة المواد الغذائية والسجائر. الشركات الخاصة التي تقوم بتمويل المركز تتلقى إمتيازات مقابل تمويلها حيث بإمكانها الإطلاع على نتائج الأبحاث التي يتوصل إليها علماء المركز بفترة تسبق الإعلان عنها بما لايقل عن ثلاثة سنين كما أنه يمكنها تكليف علماء المركز بأبحاث خاصة ذات توجه معين. وعلى الرغم من كل ذالك فإن المركز يؤكد على مصداقيته حيث أن بعض التمويل الحكومي الذي يتلقاه مصدره أموال القضايا التي تقوم الحومات المحلية برفعها ضد شركات التبغ.
الشد والجذب بين مونيل وشركات صناعة الأغذية يعود إلى أبحاث أجراها المركز في السبعينيات على عينة من 140 شخص بالغ و618 طفل أعمارهم تتراوح بين التاسعة والخامسة عشرة وأعتمدت على تقسيمهم إلى ثلاثة فئات لها علاقة بالسن, الجنس والعرق. إن النتائج التي خرجت بها تلك الأبحاث أكدت الجاذبية التي تتمتع بها الأطعمة المالحة والحلوة بالنسبة للمواطنين الأمريكيين من الأصول العرقية الأفريقية وخصوصا الأطفال منهم. أحد ممولي مركز مونيل وهو شركة فريتو-لي(Frito-Lay) كانت مهتمة بالجانب المتعلق بالأطعمة المالحة والتي هي تعد قسما كبيرا من منتجاتها كالعلامة التجارية (Lays) و (Doritos) حيث تعدان من أشهر منتجاتها. الشركة إقتبست من تقرير مركز مونيل وقامت بتوزيعه في مذكرة داخلية ذكرت فيها التأثيرات العرقية المتعلقة بإستهلاك المنتجات المالحة والحلوة حيث ذكرت أن المسألة ليست محصورة بإنجذاب الأطفال والمراهقين إلى تلك النوعية من المنتجات بل أنهم يستهلكون كميات أكبر مما يستهلكه الأشخاص البالغون. تقرير نشره أحد العلماء (لورنس جرين - Lawrence Greene) أن جاذبية الأطعمة الحلوة بالنسبة للأطفال ليست مسألة فطرية بل متعلقة بكميات السكر المتزايدة التي تضيفها تلك الشركات لمنتجاتها. الأطفال حديثي الولادة يطورون الجاذبية نحو الأطعمة المالحة بداية من 4-5 أشهر من ولادتهم أما بالنسبة للأطعمة الحلوة فهي تكون مصاحبة لهم منذ ولادتهم.
الأبحاث المتعلقة بالعادات الغذائية للأطفال إستمرت في الفترة التي تلت توزيع مذكرة شركة فريتو-لي(Frito-Lay) بل ذهبت إلى ماهو أبعد من ذالك للإجابة على الأسئلة المتعلقة بإنتقال عادات غذائية معينة بالتوريث من الأم لأبنائها سواء أثناء فترة الحمل أو الإرضاع وعدد من الأسئلة الأخرى التي بقيت نتائج الأبحاث التي أجريت عليها والنتائج التي تم التوصل لها غير متاحة للعامة بل لحفنة قليلة من مدراء الشركات والعلماء.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment