أثير الكثير من الجدل حول صورة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما وهو يمسك كتاب "Post American World-عالم مابعد أمريكا" من تأليف الصحفي الأمريكي فريد زكريا. الكتاب لا يتحدث عن نهاية أمريكا كما تصور خيال البعض ممن لاتتجاوز ثقافتهم عناوين الكتب وصور الغلاف بل عن عالم تتقاسم فيه أمريكا السيطرة مع قوى أخرى مثل الصين والهند مع احتفاظها بقوتها وتقدمها خصوصا في المجال العسكري. إن محتوى الكتاب قد يبدو متناقضا للقارئ المبتدئ ولكن مع قرائة فصول الكتاب تتضح الصورة, العالم أكبر من أن تسيطر عليها أمريكا بمفردها. كما أن الصين ليست هي القوة الوحيدة التي سوف تتقاسم السيطرة على العالم مع الولايات المتحدة أو أنها من سوف يرث لقب الدولة العظمى أو قطب العالم الأوحد. هناك دول صاعدة مثل الهند وهي قوة نووية ولديها قوات عسكرية وحدود مشتركة مع الصين.
العالم أكبر من تتحكم فيه الولايات المتحدة بمفردها ولكنها في الوقت نفسه مهتمة بإبقاء خصومها أو منافسيها المحتملين في حالة من الضعف بحيث تبقى هي الطرف الأقوى. إن الكثيرين يغفلون أن الصراع القادم بقوة لن يكون بين أمريكا والصين بل قد يكون بين الصين والهند حيث سوف تلعب باكستان وبدعم أمريكي دورا مهما فيه. وقد حصلت عدة إشتباكات بين القوات الهندية والصينية في منطقة وادي غالوان على هضبة التبت التي تقع في ولاية لداخ الهندية في إقليم جامو وكشمير أخرها في شهر يونيو/2020 ونجم عنه سقوط عدد من القتلى والجرحى من الجانبين. قد يكون ما أذكره مجرد استنتاجات ولكن قد تكون جهات أمريكية متورطة في ذلك النزاع في محاولة لإشغال أكبر قوتين عسكريتين في منطقة آسيا وفق المبدأ الشائع (فرق تسد).
وفي السابق وقبل إنهيار الإتحاد السوفياتي, كان النزاع الصيني-السوفياتي على أشدِّه حيث حاولت الولايات المتحدة العمل مع الصين من أجل إضعاف الإتحاد السوفياتي. بل وكانت الصين تدعم المقاتلين الأفغان بالأسلحة بالتنسيق مع الولايات المتحدة. حتى أنه في إحدى حلقات برنامج رحلة في الذاكرة الذي يقدمه الإعلامي خالد الراشد, تحدث الجنرال الروسي نورات تيراغودريانس أن السبب الرئيسي لدخول القوات الروسية الى أفغانستان له علاقة بالصراع الحدودي مع الصين. كما أن الولايات المتحدة دعمت منح الصين مقعدا دائما في مجلس الأمن وحق النقض على الرغم من أن الصين كانت في حالة من الضعف العسكري خلال تلك الفترة بسبب الإحتلال الياباني, الحرب العالمية الثانية والحرب الأهلية. وقد كان ذلك في محاولة لتوازن القوى من الإتحاد السوفياتي الشيوعي.
هناك مجموعة من الأسباب التي تجعل من مسألة منافسة الصين على زعامة العالم مع الولايات المتحدة أمرا مستبعدا على المدى الطويل. أول تلك الأسباب هو أن الصين بلد غير منفتح بالكامل على العالم الخارجي. وقد يعتقد البعض أن تواجد شركات مثل وول مارت أو ماكدونالدز هو دليل على دخول الصين في عالم العولمة. ولكن نظرة على أرض الواقع سوف تدلنا على عكس ذلك, القيود التي تفرضها الصين على الشركات الأجنبية مثل أمازون,غوغل أو فيسبوك دفعت عددا منها الى الإنسحاب من السوق الصينية. المنافسة الغير عادلة مع شركات صينية تتلقى تسهيلات إئتمانية حكومية غير محدودة هي سبب آخر يجعل مهمة دخول الشركات الأجنبية الى السوق الصينية مهمة صعبة. السبب الثاني هو الفساد المستشري في الصين وانعدام الشفافية. هناك انتقادات من جهات ووسائل إعلام أجنبية بأن الصين تتغاضى عن صناعة المنتجات المقلدة والتي تسبِّبُ خسائر بمئات المليارات من الدولارات للشركات الأجنبية. السبب الثالث هو أن قطاع العقارات في الصين شبيه بنظيره الأمريكي يعاني من فقاعة مالية ضخمة تفوق في حجمها تلك التي عانت منها الولايات المتحدة خلال أزمة الرهون العقارية منخفضة الجودة سنة 2007/2008. ولو انفجرت تلك الفقاعة, سوف تتجاوز أثارها الصين وتجعل الإقتصاد العالمي في وضع لا يحسد عليه. رابع تلك الأسباب هي أن الولايات المتحدة تتقدم تكنولوجيا على الصين خصوصا في المجال العسكري وحيث تعتبر القوة البحرية الأمريكية بما فيها حاملات الطائرات أقوى قوة بحرية في العالم.
الصين دولة شاسعة المساحة تمتلك موارد بشرية واقتصادية هائلة وتعتبر رائدة في عدد من المجالات. ولكن على الرغم من ذلك لن تكون أو لن ترغب في أن تشغل مركز الولايات المتحدة. الصين ترغب في نوع من التوازن العالمي الذي يحفظ مصالحها خصوصا في المجال التجاري والحصول على إمداداتها من الطاقة. هناك عدد من الموانع التي تحول دون ذلك خصوصا في المجال العسكري وفي المجال الاقتصادي حيث يعتبر الدولار الأمريكي هو العملة الاحتياطية العالمية.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment