Flag Counter

Flag Counter

Monday, December 5, 2016

حياتي - فيديل كاسترو - بروز المتمرد(The forging of a rebel)

كانت الظروف التي أرسل فيديل كاسترو ليعيش فيها في منزل المعلمة في سانتياجو هي التي دفعته لاحقا لإعلانه تمرده للمرة الأولى حين كان عمره 8 سنوات تقريبا ففي منزل المدرسة لم يتلقى أي دروس ولم يتم إرساله إلى أي مدرسة وعانى من الجوع والإهمال ولكنه كان صاحب إرادة قوية تمكن بفضلها من تعلم عدد من المواضيع ذاتيا منها جداول حسابية كانت مطبوعة على خلفية دفاتر الكراسات المدرسية وحتى عند إنتقاله للدراسة لاحقا في مدرسة الرهبنة اليسوعية بقي على حاله في حبه للتعلم الذاتي وحصوله على درجات ممتازة في الإمتحانات النهائية رغم عدم تركيزه عند حضوره حصصه الدراسية لإنشغاله بالنشاطات الرياضية.
لم يقم فيديل كاسترو بإلقاء اللوم على والديه بسبب تلك الظروف التي وجد نفسه فيها في منزل المدرسة, بالإضافة إلى ضياع سنتين من عمره والجوع الذي عانى منه بسبب فقرهم وإضطرارهم لتوزيع كميات الطعام القليلة المتوفرة بين الغداء والعشاء. يصف كاسترو تلك الفترة بكونه تعرض لسوء معاملة وإهمال وصلت لدرجة أنه إضطر لصناعة حذاء له بطريقة بدائية ويدوية وتلقى توبيخا من قبل المدَرِّسة لأنه إستخدم إبرة خياطة غير مناسبة فتعرضت للكسر.
وعلى الرغم من تعرضه لسوء المعاملة فقد كان هناك برأيه مبررات للفقر المدقع الذي تعيشه الأسرة حيث أنها بكاملها كانت تعتمد في معيشتها على راتب المدَرِّسة والذي كان أحيانا لا يدفع لها إلى كل ثلاثة أشهر مما أدى إلى إيجاد وضع غير متوازن حيث كل قرش يتم صرفه بتقتير شديد, إنها كانت مسألة حياة أو موت بالنسبة للأسرة.
قام والد فيديل بزيارته وإخوته في منزل المدَرِّسة في سانتياجو حيث شاهد إبنه فيديل ووضعه المزري بشعره الطويل ونحول جسمه بسبب الجوع. وفي وقت الحق لزيارة والده, فقد قامت والدة فيديل بزيارتهم وتفاجئت بالحالة المزرية لأولادها الثلاثة ونحول جسمهم فقامت بأخذهم إلى أفخم مطعم في المدينة(La Nuviola) وشراء الأيس كريم وعدد من المانجا الصغيرة الحجم التي يطلق عليها(Toledo Mangoes) وبعد ذالك أرجعتهم معها إلى بيران(Biran).
إن أول عمل تمرد أو كما وصفه فيديل إنتقام من المدَرِّسة ومعاملتها لفيديل وإخوته كان إثر عودتهم مع والدتهم إلى بيران حيث أن سقف مبنى المنزل الملاصق للمدرسة المحلية حيث تقيم المدَرِّسة كان من صفائح الزينكو فقام فيديل وإخوته ببناء مايشبه الحاجز من الأخشاب بالقرب من الفرن الذي يقع على مسافة قريبة من المدرسة ثم قاموا بعد ذالك بإلقاء الحجارة على سقف المدرسة بواسطة مقلاع مصنوع من قطعة خشبية من شجرة الجوافة(Guava). كان التوقيت لعملية الإنتقام عند حلول الظلام وإستمرت عملية ضرب سقف المدرسة بالحجارة لمدة نصف ساعة حيث شارك فيها فيديل وإثنين من إخوته وأحدثت ضجيجا جعل سماع صوت صراخ المدَرِّسة مستحيلا ولكن فيديل كان متأكدا أنه أصابها برعب شديد.
ثاني محاولة تمرد قام بها فيديل كانت حين رفض الإلتزام بالحمية الغذائية التي كانت الأسرة تتبعها وتعتمد أساسا على الخضراوات المطهية على الطريقة الفرنسية. هو لم يتمرد على الطريقة الفرنسية التي كانت تتبعها الأسرة في حياتها بقدر ماكان يتمرد على  الظلم التي يتعرض له في منزل المدَرِّسة وكانت العقوبة هذه المرة إرساله إلى مدرسة داخلية تسمى(Colegio De La Salle) كطالب داخلي في الفصل الثاني من الصف الأول حيث يصف تلك الفترة بأنها كانت فترة سعيدة في حياته لتواجد زملاء دراسة من مرحلة عمرية متقاربة معه وكذالك لأن المدرسة كانت تأخذ طلابها يومي الخميس والأحد إلى منطقة تقع بالقرب من المحيط حيث كان بالإمكان ممارسة أنواع مختلفة من الأنشطة الرياضية.
السنين الأولى من الدراسة من الصف الأول حتى الصف الخامس فقد قضاها فيديل في مدرسة داخلية تعرف بإسم (La Salle Brothers) والتي كانت تقبل الطلاب ذوي البشرة السوداء بعكس مدرسة الرهبنة اليسوعية التي إنضم إليها لاحقا. إستمتع فيديل بالرحلات كانت تنظمها المدرسة للطلاب كل يوم خميس وأحد إلى شاطئ المدينة حيث كانت هناك مساحات على الشاطئ لممارسة كافة أنواع الرياضة وقد إستمتع في تلك الفترة بصيد السمك وتسلق الجبال وحيدا أو مع زميل أو إثنين من زملاء الدراسة.
في المراحل الدراسية اللاحقة وحتى تخرجه وإنضمامه إلى الجامعة لدراسة الحقوق فقد درس في مدرسة داخلية تتبع الرهبانية اليسوعية(Jesuit) حيث يصف المدرسين فيها بأنها كانوا بلا إستثناء من أصول إسبانية يعيشون حياة متقشفة ولا يستلمون راتبا مقابل جهودهم حيث أن المدرسة لم تكن ربحية ولم تكن باهظة الرسوم.
أثار عدم وجود طلاب من ذوي البشرة السوداء في مدرسة الرهبنة اليسوعية فضول فيديل كاسترو فقام بسؤال إدارة المدرسة وذكر لهم كيف أنه في مدرسته السابقة (La Salle Brothers) كان له زميل درسة أسود البشرة ولكنه لم يتلقى جوابا واضحا. في مرحلة لاحقة فقد علم أن المدرسة اليسوعية التي يدرس ويقيم بها لا تقبل الطلاب السود ولا حتى من يطلقون عليهم (Mestizos) وهم من أب إسباني وأم يعود أصلها للهنود الحمر السكان الأصليين لأمريكا اللاتينية.
ثاني محاولة تمرد قام بها فيديل كاسترو كانت عند إنتقاله للدراسة في (La Salle Brothers) حيث قام بالتشاجر مع نائب المدير(Brother Fernando) والذي كان مسؤولا عن الطلاب المقيمين كفيديل ودائم التعدي على التلاميذ بالضرب حيث قام بضرب فيديل مرتين وفي الثالثة تمرد فيديل وتشاجر معه.
ثالث محاولة تمرد قام بها فيديل كاسترو كانت إثر عودته مع والديه في إجازة أعياد الميلاد حيث أنهم قد علموا بالمشاجرات التي قام بها إبنهم في المدرسة وإتخذ والده قرارا بعد السماح لفيديل العودة للمدرسة وكانت تلك عقوبته. رفض فيديل والذي بلغ من العمر 11 عاما قرار والديه وطالب السماح له العودة للمدرسة وهددهم بحرق منزل الأسرة الذي يعيشون فيه إن لم يفعلوا. فيديل كاسترو لاحقا حين سؤاله عن تلك الواقعة أجاب إنه لم يكن يقصد ماقاله ولم يكن لديه النية لتنفيذه ولكنه بسبب غضبه من غياب المعاملة العادلة في المنزل وفي الدرسة فقد أطلق تهديده حيث بدا على مستوى من الجدية حتى بالنسبة لوالديه.
رابع محاولة تمرد قام بها فيديل هي تزوير بطاقة علاماته المدرسية وتلك ورائها قصة طريفة حيث وأنه بسبب قيامه بإجراء جراحي(إزالة الزائدة الدودية) فقد إضطر للغياب عن الكثير من الحصص الدراسي في مدرسة (Colegio de Dolores) والتي أرسل إليها من مدرسته السابقة وكلاهما يتبعان الرهبة اليسوعية. الأسرة المستضيفة له أثناء فترة دراسته طالبته بالحصول على أعلى الدرجات حيث أن (Dona Carmen) زوجة مالك المنزل رجل الأعمال (Mazora) كانت سعيدة بان أحد الطلاب المقيمين لديها في المنزل يدرس في تلك المدرسة اليسوعية والتي كانت تعتبر مدرسة للطلاب الأثرياء وأبناء الطبقات الراقية بينما هي وزوجها كانا يعتبران من الطبقة المتوسطة حيث كان زوجها يملك متجرا في المدينة  يدعى (La Muneca). زوجة صاحب المتجر قامت بتهديد فيديل بأنه إن لم يحصل على الدرجات المطلوبة فإنها سوف تقوم بحرمانه من مصروفه الأسبوعي البالغ خمسة سينتافوس(Centavos) والتي كان يقوم بشراء مجلة أرجنتينية كارتونية ساخرة تدعى (El Gorrion). فيديل كان مؤمنا بعد إمكانية حصوله على الدرجات المطلوبة لغيابه بسبب الجراحة عن الكثير من الحصص الدراسية وتغيير المدرسين والكتب المدرسية والبيئة المحيطة به بشكل عام.
مرت خدعة فيديل بسلام وقبلت زوجة صاحب المنزل تبريرات فيديل. المشكلة أن فيديل بسبب ظروف المرض والضغوطات المتواصلة التي تعرض لها من قبل فقد كانت سبب تمرده للمرة الرابعة وكسر كل القوانين التي كانت تضعها زوجة مالك المنزل(Dona Carmen) مما أدى إلى إرساله مرة اخرى إلى مدرسة داخلية كعقوبة له. كان فيديل راضيا عن تلك العقوبة فلم يحاول الإحتجاج عليها فقد أصبحت لديه خبرة بالإقامة في المدارس الداخلية.
لقد كان فيديل شاهدا في طفولته على الكثير من ممارسات الرأسمالية السيئة والتي تركت أثارها على كل نواحي الحياة في كوبا فهو لم يولد متمردا بل تمرد في المنزل وفي المدرسة بسبب سواء المعاملة وغياب العدالة. وقد كان يشاهد مظاهر حياة يومية في مسقط رأسه في بيران(Biran) لعمال حفاة, يبدو عليهم الجوع ويعيشون في ظروف حياتية مزرية حيث كانوا يعملون لصالح الشركات الأمريكية في زراعة وحصاد قصب السكر. كان الكثير منهم يأتون لوالد فيديل يطلبون مساعدة من نوع ما حسبما يتذكر فيديل فقد كان والده مالكا لمساحات شاسعة من الأراضي ولكنه لم يكن أنانيا أو متسلطا بأي شكل من الأشكال.
لقد كان فيديل كاسترو ممتنا للظروف الحياتية التي عاشها والتجارب التي مر بها والبيئة المحيطة به حيث تدرج خطوة خطوة بالتحول من مرحلة الطفولة إلى مرحلة التمرد وحتى في وقته الحالي فإنه يبقى ذالك المتمرد متسلحا بالمزيد من التجارب التي مر بها والخبرات التي إكتسبها طوال تلك السنين.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

No comments:

Post a Comment