في سنة 1958 فقد أطلقت حملة في الصين لإبادة طيور الدوري دعا إليها الزعيم الصيني ماو حيث تم تعبئة الطلبة والفلاحين والعمال في المدن والريف للقيام بالحملة في التوقيت نفسه. السبب الذي تم الترويج له لتبرير الحملة هو أن تلك الطيور البريئة تلتهم كمية كبيرة من المحاصيل. في منطقة شانغهاي وفي اليوم الأول من الحملة فقد تم إبادة أكثر من 194 ألف طائر. النتيجة المباشرة للحملة كانت تكاثر أنواع الجراد والتي كانت الغذاء المفضل لطيور الدوري حيث أن إبادتها قد خلقت فجوة في السلسلة الغذائية مما أدى لاحقا لحلول المجاعة في الصين.
لاحقا تم إكتشاف الخطأ الذي تم إرتكابه بإبادة طيور الدوري وصدر الأمر بإيقاف الحملة ولكن بعد فوات الأوان حيث وصل التناقص في أعداد طيور الدوري إلى مايقرب الإنقراض الكامل الذي إستغرق عقودا للتعافي. حتى أنه تم التفكير في إستيراد طيور الدوري من الإتحاد السوفياتي ودول أخرى لعكس النتيجة الكارثية لتلك الحملة.
المشكلة أن وسائل الإعلام الغربية التي تتحدث عن تلك الحملة لإبادة طيور الدوري في الصين منتقدة تلك السلوكيات غير المقبولة لا تأتي على ذكر لما يحصل في عصرنا الحالي من إبادة أنواع عديدة أشكال الحياة البرية وحتى البحرية في الدول الغربية بفضل المزارع الصناعية(Industrialized Farming) وإستخدام المبيدات الشديدة السمية والنباتات المعدلة وراثيا.
خلال الأربعين سنة السابقة فإن أعداد طيور الدوري في بريطانيا قد تناقص بنسبة 97% بسبب أساليب الزراعة المكثفة التي ذكرتها سابقا. ولكن طيور الدوري ليست الوحيدة التي تناقصت أعدادها بطريقة تنذر بتعرضها لخطر الإنقراض فهناك طيور(Turtle Dove) وهي من أنواع الحمام الأوروبي وطيور(Corn Bunter) أو درسة القمح أيضا تكاد تنقرض في مناطق عديدة في أوروبا خصوصا بريطانيا. الأساليب الزراعية المستخدة في الزراعة المكثفة قد نجحت في حرمان المخلوقات التي عاشت في تلك المناطق لمئات السنين وأصبحت جزأ من نظامها الأيكولوجي من بيئتها الطبيعية وخصوصا غذائها ممادفع الحكومة البريطانية لتقديم تمويل للمزارعين لتركيب منازل وحصالات تغذية لمنع تلك الطيور من الإنقراض.
زحف المزارع التي تعتمد أساليب الزراعة المكثفة وصل في بريطانيا إلى 92% من نسبة المزارع الموجودة حيث تعتمد زراعة نوع معين من المحاصيل على مساحات شاسعة أو تربية نوع واحد من الحيوانات في داخل هنغارات واسعة حيث قد تحتوي المزرعة الواحدة على مايزيد عن 30 ألف حيوان يعيشون في مساحات ضيقة وفي ظروف بالغة القساوة كما أن إنتشار الأمراض وإستخدام المضادات الحيوية وهرمونات النمو يؤدي إلى إنخفاض جودة المنتج.
هناك 70 مليار حيوان مزارع يتم تربيته حول العالم حيث تبلغ نسبة الحيوانات التي يتم تربيتها في مزارع تعتمد أسلوب الزراعة المكثفة 66% تقريبا ويتم التعامل معها كألات إنتاج مزيد من البيض أو اللحم وتبقى طوال حياتها حبيسة الأقفاص. البقرة التي يتم تربيتها بهدف إنتاج الحليب تكون في وضع لايمكنها من المزيد من الإنتاج في سن 5 سنين بينما عمرها الإفتراضي قد يزيد عن 15 عاما حيث يكون مصيرها في تلك الحالة الذبح بهدف الإستفادة من لحمها.
بإعتبار أن الحيوانات على إختلاف أنواعها والتي يتم تربيتها بأسلوب الزراعة المكثف والمزارع الصناعية لايسمح لها بالرعي الطبيعي فلابد في تلك الحالة أن يتم نقل غذائها إليها. إن مانسبته الثلث من الإنتاج العالمي من الحبوب يتم تخصيصه لإطعام حيوانات المزارع الصناعية, 90% من محصول الصويا و30% من محصول الأسماك العالمي تذهب لنفس الغاية مما يتسبب بهدر موارد غاية في الأهمية من الممكن إستخدامها لمكافحة الجوع حول العالم. كما أن حيوانات المزارع الصناعية تمتاز بزيادة نسبة الدهون وإنخفاض مستوى الجودة.
إن ذالك الأسلوب في تربية الحيوانات وأسلوب الزراعة المكثفة يعتمد بشكل كبير على المضادات الحيوية وهرمونات النمو والمبيدات الحشرية مما أدى ظهور فيروسات وحشرات ضارة مقاومة لكافة المبيدات وأمراض خطيرة ومعدية.
إن مقاومة شركات الأغذية وتربية المواشي والدواجن لأي محاولات تفرض عليها الشفافية وحق المستهلك في معرفة مصدر غذائه قد أدى لفضائح أحدها سنة 2013 في بريطانيا حيث تبين تورط سلسلة مطاعم للوجبات السريعة وشركات أغذية ومتاجر كبرى بالغش عن طريق وضع علامات خاطئة بشكل متعمد على منتجاتها تبين أنها من لحم البقر بينما أثبتت فحوصات الحمض الوراثي وجود لحوم أحصنة وخنزير في بعض الحالات.
الجشع والأنانية هي التي تتحكم في سياسة الشركات الزراعية وتلك التي تبيع المبيدات الحشرية والمحاصيل المعدلة جينيا. في بريطانيا تسبب إنتحار 12 مزارعا بتسليط الضوء على قضيتهم إعلاميا وتحولها لقضية رأي عام بينما في الهند فإن موجة إنتحار أكثر من 200 ألف مزارع هندي بالكاد أثارت أي ضجة إعلامية. السبب في كلتا القضيتين هي الديون التي تراكمت على المزارعين لقيامهم بشراء محاصيل معدلة وراثيا(GMO) تبين فيما بعد انها غير ملائمة لزراعتها في ظروف مناخية معينة.
لايوجد مبرر لإستخدام أسلوب الزراعة المكثفة(Intense Agriculture) و المزارع الصناعية(Industrial Farming) حيث أنه ليس هناك مشكلة نقص في الأراضي كما ثبت الضرر الذي تسببه من الناحية البيئية وصحة السكان في المناطق المحيطة في تلك المزارع.
في الأرجنتين فإن هناك تواجد كثيف للبعوض في المناطق المحيطة بمزارع الصويا على الرغم من عدم تواجد مياه راكدة أو أي من الظروف التي تكون السبب في تواجدها. في البيرو فإن صناعة الأسماك بهدف إستخدامها كعلف للحيوانات قد حرمت السكان المحليين من مكون مهم من عناصر حميتهم الغذائية حيث ظهرت على الأطفال الذين يعيشون بالقرب من أماكن صيد الأسماك أعراض سوء التغذية. في فرنسا وبريطانيا ظهرت أعراض تسمم على عمال كان يقومون بمهمة تنظيف الشواطئ من الطحالب والأعشاب الضارة بسبب إنبعاث الغازات السامة منها حيث تتواجد مزارع تربية للخنازير تقوم بالتخلص من مخلفاتها بطريقة غير سليمة مما يتسبب بتسربها للبحار والأنهار والمياه الجوفية. إن تلك المشاكل لم تظهر في إستخدام الأساليب الزراعية السابقة حينما كانت الحيوانات تترك لترعى بحرية في المزارع حيث كانت فضلاتها تعتبر سمادا طبيعيا ويتم إستخدام أسلوب مداورة المحاصيل الزراعية بما يحافظ على التربة وجاهزيتها للموسم الزراعي القادم.
الظروف التي خلقتها الحكومات تحت مزاعم إطعام الأعداد المتزايدة من السكان ليس إلا ستارا لتغطية ماتقوم به شركات الزراعة العملاقة والتي تؤثر بالسلب عليهم وعلى صحتهم والبيئة وثرواتها الطبيعية ولاتهتم إلا بتحقيق الأرباح.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment