Flag Counter

Flag Counter

Sunday, March 24, 2019

الربيع العربي وأزمة اللاجئين

إن جهود المحللين والمتابعين لأحداث الربيع العربي والتي أدت من ضمن نتائجها الى أكبر أزمة لاجئين منذ الحرب العالمية الثانية تنصب في مجملها على دوافع سياسية مثل الحريات والحكم الديكتاتوري والديمقراطية بينما على أرض الواقع, العوامل السياسية لعبت دورا ثانويا خصوصا في وسائل الإعلام التي جانبت الصواب وساهمت في تضليل الرأي العام حول الدوافع الحقيقة للأزمة والعوامل والأسباب التي قادت المنطقة الى هاوية سحيقة من الاضطرابات وعدم الاستقرار. إن جذور أزمة اللاجئين الأخيرة تكمن بحسب بعض الآراء في عوامل اقتصادية منها التذبذب في أسعار النفط, إرتفاع أسعار السلع خصوصا الحبوب, التدخل العسكري الغربي خصوصا في الوطن العربي, أفريقيا وآسيا وأخيرا العولمة واتفاقيات التجارة الحرة.
إن إرتفاع أسعار النفط وتجاوزها حاجز 100 دولار/برميل لم يكن يحمل أخباراً سارة لمواطني بلدان تعتمد على تلك المادة الحيوية مصدراً رئيسيا للطاقة. إن ذلك يعني ارتفاع فاتورة الطاقة في بلدان مثل  تونس أو مصر مما يؤدي الى عجز متزايد في الموازنة يتراكم سنة بعد أخرى. كما أن ذلك يعني إستهلاك فاتورة الطاقة للمزيد من الموارد التي يمكن استخدامها في أمور حيوية مثل التعليم والصحة وتحسين مستوى البنية التحتية.
كما إن إرتفاع أسعار النفط قد ساهم بشكل رئيسي في إرتفاع أسعار النقل والمواصلات وبالتالي إرتفاع أسعار سلع حيوية أخرى مثل الحبوب وجعل قدرة الأسر الفقيرة والمعوزة على إطعام أفرادها تتزايد صعوبته بشكل مستمر. يضاف الى ذلك تخصيص مساحات شاسعة من الأراضي في دول مثل البرازيل وحتى الولايات المتحدة في زراعة الذرة, قصب السكر وفول الصويا  لإستخدامها في إنتاج الوقود الحيوي(إيثانول-85) وفي إطعام المواشي والدواجن قد جعل من توفير كميات الحبوب اللازمة لإطعام العدد المتزايد من السكان مهمة صعبة.
التدخل الغربي خصوصا العسكري في الوطن العربي, أسيا وأفريقيا قد أدى الى تزايد المشاكل في دول هي أصلا تعاني من أزمات مزمنة خصوصا المجاعة, البطالة والفساد. ذلك التدخل كان هو السبب في إنفجار الوضع الداخلي لتلك الدول عبر الربيع العربي والحروب الأهلية حيث أدى الى سقوط الأنظمة في تونس, مصر, ليبيا وفشل تلك المحاولات في سوريا والمغرب بسبب مرونة الأنظمة السياسية من جهة وتركيبة البنية الداخلية لتلك الدول من جهة أخرى. فمنذ نهاية الحرب الباردة, فشلت كل محاولات التدخل الغربي في دول المنطقة وفي العالم من إحداث أي تغيير إيجابي ولم تكن تلك المحاولات لمصلحة شعوب تلك الدول التي تم تسليط الآلة العسكرية الغربية عليها ومحاولة إخضاعها وإضعافها ومن ثم تقسيمها وتفتيتها الى دويلات يسهل السيطرة عليها. بل على العكس تماما, فقد أدى ذلك التدخل الغربي الى ظهور تنظيمات مثل تنظيم القاعدة الذي تطور لاحقا الى تنظيم داعش والى حروب أهلية ضحايا بالملايين والى المزيد من تدهور الوضع الإقتصادي. إن دوافع ذلك التدخل هي إقتصادية لها علاقة بالنفط والغاز وموارد حيوية أخرى, وليس لها أي علاقة لا من قريب ولا من بعيد بحقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير, مصطلحات براقة يتم إستخدامها عبر مؤسسات دولية تلعب دورا مشبوها في خدمة مصالح دول غربية هي على رأس المنتهكين لحقوق الإنسان على مستوى العالم.
إن مسألة الأمن الغذائي لدول العالم الثالث في الوطن العربي, إفريقيا وآسيا قد أصبحت على المحك مع عولمة القطاع الزراعي لتلك الدول ودخولها في منظومة التجارة الحرة واتفاقياتها المجحفة. الولايات المتحدة والدول الأوروبية قد أغرقت أسواق تلك الدول بمنتجات زراعية رخيصة الثمن مما أدى الى تضرر القطاع الزراعي المحلي العاجز عن المنافسة. الولايات المتحدة والدول الأوروبية تقوم على تقديم الدعم للشركات الزراعية حيث تسود أنماط الزراعة الصناعية, شركات عملاقة برؤوس أموال ضخمة وتتلقى دعما حكوميا عبر إعفائات ضريبية وشراء الفائض من المنتجات بتمويل حكومي. ولكن في الوقت نفسه, شروط اتفاقيات التجارة الحرة المعقودة مع دول إفريقية وأسيوية متعددة تمنع على حكوماتها تقديم أي دعم حكومي لقطاعها الزراعي ويتم المطالبة بتطبيق اتفاقيات حقوق الملكية المتعلقة بالمحاصيل الزراعية مما أدى الى تخلي عدد كبير من المزارعين عن أراضيهم لصالح الشركات العابرة للقارات حيث انتشرت المجاعة وإرتفعت نسبة إنتحار المزارعين المحليين.
إن كل تلك العوامل مجتمعة قد أنتجت للعالم موجة طوفان بشري من اللاجئين الباحثين عن لقمة العيش والمجبرين على ترك بلدانهم الأم بسبب هروب أهلية وعرقية ونزاعات مسلحة نتيجة تدخل الدول الغربية في شؤون المنطقة بهدف السيطرة عليها وإخضاعها ونهب مواردها ولو على حساب ملايين الضحايا الأبرياء ممن لا ناقة لهم ولا جمل في الصراعات الدائرة. إن الدوافع الإنسانية التي إستخدمها الغرب ذريعة للتدخل في دول مثل ليبيا وسوريا لا يسمع لها لصوتها صدى حين يتعلق الأمر مثلا بالحروب الأهلية في دول مثل الكونجو حيث سقط أكثر من أربعة ملايين كونغولي ضحية لنزاع ظاهره حرب عرقية واثنية وباطنه المنافسة على ثرواته الطبيعية بين الشركات العابرة للقارات حيث تعرض للتقسيم عبر سيطرة  لوردات الحرب كل على مقاطعة وله علاقة مع شركات أجنبية تقوم على تقديم التمويل والمشورة العسكرية والتدريب لميليشيات عسكرية بإشراف مرتزقة أجانب وشركات أمنية خاصة.

النهاية

No comments:

Post a Comment