Flag Counter

Flag Counter

Sunday, May 7, 2017

كيف تم إستخدام مفاهيم المجاعة والإكتفاء الذاتي لتحدي الطبيعة والحد من الجنس البشري؟

تخرج علينا وسائل الإعلام يوميا وبلا إنقطاع تتحدث عن عدد سكان الأرض الذي يزداد بإضطراد حتى تعدى حاجز 7 مليارات نسمة وكيف أن الكرة الأرضية سوف تكون عاجزة عن توفير وسائل العيش الكافية لإطعام ذالك العدد الكبير وأنه يجب الحد من النمو السكاني وهناك من يتحدث عن تقليص عدد سكان الأرض لتعداد 500 مليون نسمة. التحذير من الكوارث الطبيعية خصوصا المجاعة هو السمة الغالبة لتلك الحملات الإعلامية.
المجاعة ليست كارثة طبيعية بل هي من صنع الإنسان الذي مازالت محاولاته مستمرة لتحدي الطبيعة وقوانينها التي وضعت من أجل التوازن بين مختلف مكونات الحياة على وجه الكرة الأرضية.
يتم يوميا إنلاف كميات هائلة من الطعام إما بدفنها في مقالب القمامة أو إلقائها في البحر كما أن حكومات دول عديدة تقوم بإلقاء فائض إنتاجها من الحبوب والقمح على وجه الخصوص في البحر للمحافظة على مستوى سعري معين وذالك بدلا من التبرع بها لإطعام الجياع في دول مختلفة خصوصا دول في أفريقيا وأسيا. كما أن مساحات الأراضي التي تزرع لإطعام البشرية تتأكل لصالح إنتاج الأغذية المعدلة وراثيا المخصصة لإطعام الحيوانات وإنتاج الوقود الحيوي أو المعروف بإسم إيثانول-85(E-85) والذي هو مشروع فاشل بكل المقاييس والمعايير. إسائة إستخدام أو توزيع الموارد هو سبب أخر من أسباب المجاعة حيث أنه يؤدي إلى إرتفاع أسعارها وعجز محدودي الدخل أو حتى معدومي الدخل ممن يعيشون على دولار واحد يوميا من توفير حاجياتهم الأساسية منها.
مثال بسيط على إسائة توزيع الموارد هو مادة القمح والتي تصنف على أنها من السلع الحيوية والهامة والتي من المفترض حصر أولوية إستخدامها بالأساسيات وهي صنع رغيف الخبز على إختلاف أنواعه وأشكاله وذالك في سبيل أن تتوفر المادة بأسعار مقبولة في الأسواق العالمية. في العالم المليئ بالجشع والأنانية فإن من يمتلكون الثمن ليدفعوا من أجل إستخدام تلك السلعة في أمور غير أساسية وغير ضرورية كصناعة الحلويات الفاخرة هم السبب في إرتفاع أسعار المادة وإنخفاض الكميات المخصصة للإستخدامات الأساسية وبالتالي التسبب بالمجاعات وسوء التغذية وليس إرتفاع عدد سكان الأرض.
القمة الهزلية للإنسانية الغربية المزعومة وجمعيات الرفق بالحيوان التي من الممكن أن تقوم بالتلاعب بالرأي العام بخصوص أسائة معاملة القطط والكلاب أو تقوم بحملة إعلامية بشأن حمار مريض في الجهة المقابلة للكرة الأرضية بينما لا تحرك ساكنا بخصوص مئات الملايين من الحيوانات على إختلاف أنواعها التي يساء معاملتها في مزارع لاتتوفر فيها أدتى الشروط الإنسانية حيث يتم حجز الأبقار في أقفاص ضيقة المساحة حيث بالكاد يسمح لها بالوقوف كما أن الأوضاع في مزارع الدجاج ليست بأفضل حالا.
سنة 1910 كانت هي السنة التي وضعت أحد اللبنات الأساسية لما يسمى الزراعة الصناعية(Industrial Farming) حيث إكتشف إثنان من العلماء الألمان كيفية تحويل النيتروجين المتوفر بكثرة في الغلاف الجوي إلى أمونيا والتي تعد مكونا أساسيا في الأسمدة الصناعية والمتفجرات(T.N.T).
وفي الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية فإن بعض الدول خصوصا بريطانيا قد تعلمت الدرس المتعلق بالإكتفاء الذاتي بطريقة قاسية حيث تسبب نشاط البحرية الألمانية خصوصا الغواصات في تقليص الإمدادات الغذائية للحد الأدنى حيث إضطرت الحكومة البريطانية إلى فرض نظام حصص غذائية والقيام بحملة إعلامية من غايتها حث المواطنين على ترشيد إستهلاكهم.
في سنة 1947 صدر القانون الزراعي في بريطانيا والذي تضمن تمويلا حكوميا في سبيل مايسمى الإنتاج المكثف(Mass production) بإستخدام أحدث ماتوصل إليه العلم تقنيات الإنتاج بإستخدام الألات والمنتجات الصيدلانية والمواد الكيميائية. في سنة 1933 صدر قانون المزارع(Farm Bill) في الولايات المتحدة على إثر فترة الكساد الإقتصادي التي تلت أزمة 1929 وتضمن دعما حكوميا للمزارعين وشراء فائض الإنتاج بأسعار مجزية منعا لهبوط سعره مما اعطى دورا أكبر للحكومة التحكم بالكيفية التي يتم فيها إنتاج طعام المواطن الأمريكي. كما أن مصانع إنتاج الأمونيا والتي تعد أساسية في صناعة الذخائر الحربية قد تم تحويلها لإنتاج السماد الصناعي. المبيدات الحشرية التي تم إستخلاصها من مخزون غاز الأعصاب المستخدم كسلاح كيميائي تم إستخدامها ضد الحشرات والأعشاب الضارة. طرق إنتاج جديدة فيما يشبه بداية مايعرف بالأغذية المعدلة وراثيا قد تم إخراجها إلى حيز الوجود خصوصا محصول الذرة والذي يتم إستخدامه بشكل رئيسي في سبيل إطعام حيوانات المزارع الصناعية. الإنتاج النوعي مفهوم أصبح في غياهب النسيان وتم إستبداله بمفهوم أخر وهو الإنتاج الكمي لتلبية حاجات السوق بغض النظر عن جودة المنتج.
مفهوم الإنتاج الكمي صاحبته سلبيات كثيرة منها الترخيص بإستعمال المضادات الحيوية على الحيوانات للتغلب على الأمراض التي بدأت بالظهور والإنتشار بسبب إبقاء عدد كبير من الحيوانات في تلك المساحة الضيقة. كما أن إستعمال الهرمونات أصبح شائعا لتسريع نمو الحيوان مما أدى إلى وصول الحيوانات لمرحلة الإستهلاك في فترة قياسية. تلك الفترة بالنسبة للدجاج قد لاتتعدى ستة أسابيع مقارنة بفترة 12 أسبوعا سابقا.
في المناطق الريفية في الولايات المتحدة وبريطانيا على وجه الخصوص فقد إختفت تلك النوعية من المزارع المختلطة حيث يزرع أكثر من نوع من النحاصيل مداورة وتربية عدد من الحيوانات ليحل محله مزارع متخصصة بإنتاج نوع معين من المحاصيل بمساعدة الأسمدة الصناعية أو تربية نوع محدد من الحيوانات. هرمونات النمو والمضادات الحيوية أصبحت تستخدم بكثافة مما ادى مع مرور الوقت إلى ظهور بكتيريا وفيروسات مقاومة لأقوى المضادات الحيوية ليس في الحيوانات فقط بل في الإنسان.
مستشارون زراعيون متخصصون وبتكليف حكومي بدأوا بزيارة المزارعين في مناطق الريف البريطاني لتقديم النصيحة لهم بالتحول إلى الزراعة الصناعية والمتخصصة وإلا فإنهم سوف يواجهون الإندثار. العملية بغاية البساطة فبمجرد توقيع المزارع للعقد فإنه يستطيع شراء صغار الحيوانات سواء الأبقار أو الدجاج والطعام المخصص لها من شركات متخصصة ثم تربيتها وبيعها لنفس الشركات التي تمتلك اماكن متخصصة تقوم بالتعامل مع تلك الحيوانات ومن ثم تسويقها.
السياسية الزراعية المشتركة للإتحاد الأوروبي (CAP - Common agricultural policy) والتي خرجت إلى حيز الوجود سنة 1962 تحولت إلى أحد أكبر البنود في ميزانية الإتحاد الأوروبي حيث تلتهم سنويا في وقتنا الحالي مايقرب 50 مليار يورو سنويا من أموال دافعي الضرائب على شكل إعانات مالية للمزارعين. في الولايات المتحدة تبلغ الإعانات السنوية المخصصة للمزارعين 30 مليار دولار تقريبا حيث يتم تخصيص 75% منها للمزارع التي تمتلكها الشركات الزراعية الضخمة الأكثر نفوذا وهي لا تعد 10% من إجمالي عدد المزارع كما أن نسبة كبيرة من ذالك الدعم يتم تخصيصه للشركات التي تقوم على إنتاج محصول الذرة المخصص كعلف للحيوانات وإنتاج الوقود الحيوي.
مؤخرا بدأ الوضع بالتحسن حيث تم منع إسائة معاملة الأبقار في الإتحاد الأوروبي بحبسها في أقفاص ضيقة كما تم حظر إستخدام مادة (DDT) عالميا حيث كانت تعد من أسوأ أنواع المبيدات المستخدمة في الزراعة. دول مثل الدانيمرك والسويد والنرويج تعد رائدة في سن قوانين لمنع إسائة معاملة حيوانات المزارع وخصوصا الدانيمرك المشهورة بمزارع الأبقار ومصانع إنتاج الزبدة حيث تحاول بعض وسائل الإعلام الضغط لتغيير رأي عام واعي تشكل عبر عشرات السنين وعبر التجربة والخبرة ولكن حتى هذه اللحظة فهي لم تحقق نجاحات تذكر على الأقل في الدول الإسكندنافية بشكل عام. كما أن فرنسا أصدرت مؤخرا قانونا يحظر على محلات السوبرماكت والطاعم والمدارس إلقاء الطعام الصالح للأكل والزائد عن الحاجة في القمامة وحيث أجبرت مثلا محلات السوبرماركت على توقيع عقد مع جمعيات خيرية التي تقوم بتوزيع ذالك الطعام على المحتاجين.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية

No comments:

Post a Comment