سؤال بسيط ولكن إجابته أكثر تعقيدا وعمقا. هناك من يختصرون أسباب القوة الأمريكية بأنها عسكرية صرفة ولكن ذلك خطأ. إسبارطة كانت قوة عسكرية في اليونان ولكن الإسبارطيين كانوا يحتقرون التجارة والزراعة والصناعة وإنتهت مدينة(مملكة) إسبارطة الى الإنهيار. أسباب القوة الأمريكية تعود جذورها الى عوامل إقتصادية, سياسية وعسكرية متضامنة مع بعضها البعض مما جعل الولايات المتحدة في المكانة التي وصلت إليها. الثقافة الأمريكية الطاغية, رأس المال, التنوع العرقي والديني, موقع حيوي ومانع طبيعي, تعداد سكاني وغيرها من الأسباب يمكن أن نعود إليها في تحليل جذور القوة الأمريكية.
الثقافة الأمريكية مهيمنة عالميا ويتأثر بها السكان المحليون خصوصا المهاجرون وبسبب ذلك لا تعاني الولايات المتحدة من مشكلة اندماج القادمين الجدد التي تعاني منها دول القارة الأوروبية. اللغة الإنجليزية هي لغة التعاملات المالية والإقتصادية والدبلوماسية والسينما والتلفاز. إن نسبة المواد الثقافية سواء سينما أو مسرح أو تلفاز أو يوتيوب باللغة الإنجليزية لا تنافسها ربما من الناحية الكمية سوى الصين. ولكن اللغة الصينية صعبة وتعلمها يستغرق وقتا طويلا. الإنجليزية هي اللغة الرسمية في بريطانيا وإلى جانب الفرنسية في كندا تعتبر لغة رسمية ولكن تأثير الدولتين لا يعادل ولا حتى يقترب من الولايات المتحدة. الرموز الثقافية وعولمتها أمر مهمة لأنها تساهم في انتشار الثقافة الأمريكية. عندما يتحدثون عن الهمبرغر, يتذكرون الولايات المتحدة. عندما يتحدثون عن نجوم السينما, يتذكرون الولايات المتحدة. عندما يتحدثون عن النفط, يتذكرون الولايات المتحدة, عندما يتحدثون عن سيليكون فالي, يتذكرون الولايات المتحدة. إن تلك رموز ثقافية مهمة وهناك الكثير من الأفكار التي لا يحقق أصحابها النجاح سوى في الولايات المتحدة. هناك باي بال, إي باي, غوغل وغيرها من مشاريع وأفكار رواد الأعمال التي ظهرت الى الوجود من خلال المهاجرين الى الولايات المتحدة. المهاجر في الولايات المتحدة ليس لديه أي فرصة للإنعزال وعدم الإندماج وإلا فإنه لن يحصل حتى على الفتات. الثقافة الأمريكية الطاغية لا تترك فرصة لأي شخص ينتمي الى أي عرق, أو دولة أو دين أو مذهب في أنه لا يندمج مع المجتمع المحيط به.
الدولار الأمريكي هو عملة الاحتياطي العالمي وأحد أسباب قوة الولايات المتحدة وهيمنتها عالميا. الولايات المتحدة خاضت حروبا ودبرت انقلابات بهدف الحفاظ على مركز ومكانة عملتها الدولار. إن جذور قوة العملة الأمريكية تعود الى تأسيس بنك الاحتياط الفيدرالي سنة ١٩١٣ والحربين العالميتين الأولى(١٩١٤-١٩١٨) والثانية(١٩٣٩-١٩٤٥) حيث بدأ الدولار في التغلغل بقوة في اقتصادات الدول الأوروبية والعالم من خلال إتفاقية مارشال لإعادة إعمار أوروبا. إتفاقية بريتون وودز(١٩٤٤) جعلت الدولار الأمريكي رسميا ملك العملات و ربطته بالذهب وفق معادلة سعرية ٣٥ دولار/أونصة. وعندما أصبح الدولار في خطر بسبب تخلي الولايات المتحدة عن إتفاقية بريتون وودز, نجح مستشار الأمن القومي هنري كيسنجر في توقيع إتفاقية البترودولار مع المملكة العربية السعودية سنة ١٩٧٥ حيث أصبح الدولار هو العملة المهيمنة في تجارة النفط والغاز. إتفاقية بريتون وودز أسَّست البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وكذلك نظام سويفت مما جعل بإمكان الولايات المتحدة أن تتحكم في الإقتصاد العالمي وتفرض عقوبات إقتصادية ضد الدول بدون محاسبة او مسائلة حقيقية.
الولايات المتحدة بلد مساحته شاسعة ومتنوع ويعتبر قبلة للمهاجرين وفرصة لمن يبحث عن فرصته من العقول اللامعة أو تلك التي لديها أفكار علمية وكذلك رواد الأعمال. هناك ٥٠ ولاية أمريكية وأربعة فصول في السنة الواحدة وبيئات متنوعة. الشخص الذي يرغب أن يعيش في مدينة لا تنام من الممكن أن يختار نيويورك أو لوس أنجلوس أو من يبحث عن الهدوء من الممكن أن يجده في الريف الأمريكي في ولاية تكساس أو من يبحث عن الأجواء الحارة والشواطئ فإنه ليس أفضل من مدينة فلوريدا.
هناك نواقص وعيوب, سلبيات في الولايات المتحدة ولكن ذلك موجود في جميع بلدان العالم بلا إستثناء. التأمين الطبي مرتفع التكلفة والعلاج في المستشفيات يستنزف موازنة المواطن الأمريكي. العنصرية خصوصا الشرطة الامريكية أمر يزداد مع مرور الوقت خصوصا ضد العرب, المسلمين والمواطنين الأمريكيين من ذوي البشرة السوداء. التعليم المدرسي والجامعي في الولايات المتحدة مكلف للغاية حتى لو كانت مؤسسة حكومية. جامعات مثل هارفار, يال وشيكاغو تعتبر من أرقى الجامعات في العالم ولكن أقساطها مرتفعة يعجز حتى أفراد الطبقة المتوسطة على دفعها.
الولايات المتحدة ليست خياراً للكثيرين ممن ليسوا معجبين بدولة غارقة في الرأسمالية المفرطة الى درجة الثمالة. نظام الحياة في الولايات المتحدة لا يرحم ولا مجال من أجل التقاط الأنفاس. الحياة هناك عمل ولا مكان للكسل.
دمتم ودامت سوريا بخير
عاشت الجمهورية العربية السورية حرة مستقلة
الوطن أو الموت
النهاية