Flag Counter

Flag Counter

Saturday, December 2, 2017

الإعلام الكاذب وتزوير التاريخ, الإحتلال العثماني للوطن العربي

إن محاولات القوى الإستعمارية والإمبريالية إختراق الوعي العربي لم تتوقف منذ تفتح ذالك الوعي على يد الجمعيات والحركات العربية التي تم إنشائها في الوطن العربي كجمعية العربية الفتاة والتي كانت مبادئها تنطلق من المطالبة بالحقوق الإجتماعية والقومية للعرب في إطار الدولة العثمانية ثم تطورت تلك المطالب في مرحلة لاحقة للإنفصال الكامل عن جسد الخلافة العثمانية وتأسيس دولة عربية موحدة. ولكن ردة الفعل العثمانية كانت عنيفة جدا فتم القبض على عدد كبير من قادة الحركات السرية العربية والأحرار العرب وكان منهم عدد من قادة جمعية العربية الفتاة وتم إعدامهم على دفعتين سنة 1915 وسنة 1916 في ساحتي المرجة في دمشق والبرج في بيروت وذالك بعد الحكم عليهم من قبل الديوان العرفي الذي شكله جمال باشا السفاح في عاليه - لبنان. المشكلة أن هناك من ينظر لتلك المسألة بسطحية يختصرها بأن إسقاط الخلافة العثمانية كان بمؤامرة من قبل جمعية الإتحاد والترقي والتي يعد أغلب أعضائها من أصول يهودية وأن الخلفاء العثمانيين بريئون من أعمال تلك الجمعية المارقة خصوصا السلطان عبد الحميد الثاني الذي تم إسقاطه من قبل جمعية الإتحاد والترقي لرفضه السماح لليهود بالإستيطان في فلسطين مقابل مبالغ مالية وصلت مبدئيا إلى خمسة ملايين ليرة ذهبية بل ويقال أنه عرض عليه سداد جميع ديون السلطنة العثمانية إن قبل بمطالب إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.
سوف أتجاهل كافة المزاعم التاريخية المتعلقة بتساهل السلطان عبد الحميد مع هرتزل ومحاولة إكتشاف مصداقية وعوده خصوصا المالية حيث كانت الخلافة العثمانية تعاني أزمة مالية طاحنة وأزمة سياسية خصوصا مع حروب إنفصالية في عدد من البلدان منها البلقان واليونان وتمرد الأرمن حيث كانت وعود هرتزل للسلطان عبد الحميد الثاني تشمل شقين: الأول مالي تحدثت عنه في سطور سابقة, والثاني سياسي له علاقة بتمرد الارمن وموقف الدول الأوروبية من السلطنة العثمانية. سوف أترك كل ذالك وأسأل أسئلة ذات بعد تاريخي في محاولة لإسقاط ورقة التوت التي تحاول أحزاب الإسلام السياسي أن تستر بها عوراتها فيما يتعلق بتلك المسألة الشائكة وهي إلقاء كل اللوم على جمعية الإتحاد والترقي وفق نظرية المؤامرة التي تحللها أحزاب الإسلام السياسي خصوصا الإخوان المسلمين لنفسها وتحرمها على الأخرين بل تسخر منهم إذا قاموا على ترديد تلك العبارة. الوطن العربي وجميع البلدان التي كانت تحت سيطرة الإحتلال العثماني عانت من التخلف الإقتصادي والثقافي وقمع الحركات الوطنية حيث كانت الأولوية للعثمانيين هي نهب خيرات وخبرات تلك البلدان ونقلها للأستانة وإعمار الأراضي العثمانية حيث لم يقم العثمانيون بأي إنجاز إقتصادي أو سياسي أو إجتماعي في البلدان التي عانت من سيطرتهم خصوصا الوطن العربي الذي عاني من الإحتلال العثماني 400 سنة.
إن الدولة العثمانية غارقة منذ بداياتها في المؤامرات والدسائس والفساد الأخلاقي والمالي منذ ما قبل خروج فكرة تأسيس جمعية الإتحاد والترقي إلى حيز النور. فقد كانت مالية الخلافة العثمانية غارقة في الديون بسبب الفوائد الربوية التي يحرمها الإسلام كما كان من المشهور وجود أجنحة خاصة للحريم أو المحظيات في قصور السلاطين العثمانيين حيث تساق إليهم السبايا أو يتم شرائهم من أسواق النخاسة في أنحاء مختلفة في أوروبا التي كانت معرضة لغزوات العثمانيين وحلفائهم من القبائل التترية المسلمة. ومن المشهور عن سلاطين العثمانيين قتلهم لأولادهم وأشقائهم وأولاد أشقائهم في سبيل الحكم وذالك وفق قانون "ناما" الذي وضع بموافقة رجال الدين خصوصا مفتي عام السلطنة. ولعل أكثر من نال شهرة من تلك الناحية هو السلطان سليمان القانوني الذي قتل إبنيه شاهزاده مصطفى و بايزيد بسبب دسائس الحكم ومكائد حريم البلاط العثماني حيث قام بذالك بعد أخذ الفتاوي من رجال الدين خصوصا أبو السعود أفندي. لكن سلمان القانوني ليس الوحيد الذي قتل أولاده وإخوانه وأقربائه في سبيل السلطة والحكم فالسلطان مراد الثالث قتل خمسة من إخوته ومحمد الثالث تسعة عشرة من إخوته.
فعلينا عند النظر لتلك النوعية من المسائل التاريخية وهي على درجة من الأهمية وعند إصدار الحكم عليها أن لا ننساق إلى العاطفة سواء كانت دينية أم سياسية. فعلى سبيل المثال, فقد ذكرت في بداية الموضوع قضية إعدام عدد من أحرار العرب وأعضاء جمعية العربية الفتاة على يد جمال باشا السفاح. إن عمليات الإعدام تلك عليها علامة إستفهام كبيرة قد يكون لها علاقة بالصراع بين فرنسا وبريطانيا على تقاسم تركة رجل أوروبا المريض في الوطن العربي حيث أن عدد من أعضاء جمعية العربية الفتاة كانوا يعملون على إقامة الإتصالات مع بريطانيا من أجل الثورة على الدولة العثمانية وتحرر البلدان العربية من الإحتلال العثماني مما يعني نفوذا بريطانيا متزايدا في المنطقة على حساب فرنسا وهو ما لم يعجب الأخيرة التي قامت بالوشاية على أعضاء الجمعية للسلطات العثمانية فتم القبض عليهم جماعيا وفي فترة زمنية قصيرة مما يؤكد أن في حوزة السلطات العثمانية قوائم كاملة بأسماء تلك الجمعية التي كان الإنضمام إليها أمرا في غاية الصعوبة. أنا شخصيا لا أستبعد ذالك الإحتمال فقد كان هناك صراع بريطاني مستميت خصوصا على منطقة الموصل الغنية بالنفط والتي كان من المفترض أنها ضمن الحصة الفرنسية في تقسيم أراضي رجل أوروبا المريض بعد هزيمته عسكريا من خلال أحداث الحرب العالمية الأولى.
ولعل أحد أكثر القضايا أهمية في تاريخ السلطنة العثمانية هو قضية التنازل عن فلسطين والوثيقة التي هي عبارة عن رسالة قام السلطان عبد الحميد الثاني بإرسالها إلى الشيخ محمود أبو الشامات والمتعلقة برفضه التنازل عن فلسطين لإقامة وطن قومي لليهود فيها مقابل 150 مليون ليرة أنجليزية ذهبا ويقال, وذالك ليس مذكورا في الرسالة, أنه كانت هناك عروض بدفع مبلغ مالي للسلطان عبد الحميد الثاني مقداره خمسة ملايين ليرة ذهبية وعرض أخر بسداد ديون الدولة العثمانية وإقراضها في مرحلة لاحقة أي أموال أخرى تطلبها. أنا أعلم أن التناقض بين المراجع التاريخية فيما يتعلق بالمبالغ التي يقال أنها عرضت على السلطان العثماني عبد الحميد الثاني يثير شكوكا ليس حول مصداقية الرسالة إنما مصداقية المحتوى وقد يكون مبلغ 150 مليون ليرة أنجليزية ذهبية مبالغ فيه من قبل السلطان العثماني ولتضخيم مسألة رفضه للطلبات المتكررة التي تقدم بها ثيودور هرتزل. ولكنه من غير المعلوم للكثيرين أن قضية رفض السلطان عبد الحميد الثاني توطين اليهود في فلسطين لها خلفية إقتصادية وسياسية متعلقة بالصراع الألماني - البريطاني خصوصا حول خط سكة حديد برلين - بغداد والذي تقرر في مرحلة لاحقة أن يمتد للكويت مما أصاب بريطانيا بالذعر لأن ذالك يعني منح ألمانيا منفذا بحريا على الخليج العربي مما يعني تهديد المركز البريطاني في الهند والتي كانت تعتبر درة التاج الإمبراطوري الإنجليزي. الإمبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس سارعت لإتخاذ خطوات دفاعية فأوعزت لشيخ الكويت مبارك الكبير بالتقدم بطلب توقيع معاهدة حماية مع بريطانيا ليصار فصل الكويت عن محافظة البصرة العراقية والتي كانت جزء منها خلال الإحتلال العثماني للعراق فتقطع الطريق على الإمبراطورية الألمانية للحصول على منفذ مباشر على الخليج العربي. الخطوة التالية كانت من خلال تقديم الوعود الكاذبة للشريف الحسين إبن علي إن قبل بالثورة على الدولة العثمانية أن تسمح بإستقلال البلدان العربية التي تحتلها تركيا تحت حكمه وهي الوعود الزائفة التي تم الكشف عنها حين تم العثور على نسخة من وثائق إتفاقية سايكس-بيكو في خزائن وزارة الخارجية الروسية إثر الثورة البلشفية والإطاحة بالإمبراطور نيقولاي الثاني وتسريب تلك الوثائق ومابقي من أحداث تلك في مؤتمر سان ريمو ومعاهدة سيفر وإتفاقية لوزان معروف ولا داعي لشرح تفاصيله في هاذا الموضوع.
ولكن لم يكن خط سكة حديد برلين-بغداد-الكويت الأمر الوحيد الذي أصاب الإمبراطورية البريطانية بالخوف على مصالحها بل ماتسرب عن بنود الإتفاقية من أن السلطان عبد الحميد الثاني قد منح الشركات الألمانية حق التنقيب على الثروات الطبيعية في مسافة 30 كم على كل من جانبي الخط حيث يقع في ذالك النطاق مكامن النفط الطبيعية خصوصا في منطقة الموصل والتي علينا أن لا ننسى أنه كان هناك صراع بين بريطانيا وفرنسا حول تلك المنطقة الغنية بالثروات الطبيعية خصوصا النفط. إذا فقضية فلسطين على أرض الواقع كانت لها مكانة جانبية في الصراع الذي كان له خلفيات إقتصادية ومصالح إستراتيجية بالدرجة الأولى حيث كانت أطرافه الدولة العثمانية, بريطانيا, ألمانيا وفرنسا. كما أنه من المعلوم أن عدة مقترحات تم تقديمها لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين منها ساحل العاج أو الأرجنتين كأماكن مقترحة لذالك الوطن الضائع بما يثبت أن التفكير في فلسطين كان في مرحلة لاحقة وأن بريطانيا قامت بتسهيل ذالك بالتعاون مع فرنسا ضمن صفقة كبرى تقتضي بتقسيم تركة الرجل العثماني المريض حيث كانت فلسطين أحد بنود تلك الصفقة. ومما يؤكد ذالك أن بريطانيا كانت حريصة كل الحرص في إتفاقية فرساي التي أسست لإستسلام ألمانيا في الحرب العالمية الأولى قد تضمنت بنودا لها علاقة بتمكين بريطانيا من كافة الأسهم في مشروع خط سكة حديد برلين-بغداد-الكويت كجزء من تعويضات الحرب التي كان يتوجب على ألمانيا دفعها للإمبراطورية البريطانية.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية

No comments:

Post a Comment