Flag Counter

Flag Counter

Wednesday, November 8, 2017

من يتحمل المسؤولية عن إنفجار فقاعة الرهون العقارية وأزمة (2007-2008) الإقتصادية؟

هناك إتجاه بدأ يتبلور حاليا في مجموعة من البلدان الغربية لمحو الأمية الإقتصادية لدي المواطنين حيث هناك عدد من المبادرات والمشاريع ولكن أغلبها على مستوى الحكومات المحلية. وإذا وضعنا مسألة الثقة بذالك الإجراء والنية والهدف منها جانبا, فإن عددا من الحكومات الغربية تتعرض لهجوم على جبهات متعددة خصوصا في الولايات المتحدة وكندا ودول أوروبية كألمانيا وفرنسا حيث تتعرض للإتهام بالمسؤولية عن الأزمات الإقتصادية خصوصا الأزمة التي نتجت عن إنفجار فقاعة الرهون العقارية(2007-2008). وعلى هامش تلك الأزمة الإقتصادية وأي أزمة إقتصادية بشكل عام يتم الهجوم على نموذج دولة الرفاه الإجتماعي خصوصا في كندا ودول كالسويد والدانيمرك حيث يشمل الهجوم نظام الرعاية الصحية ويمتد الهجوم ليشمل بريطانيا وماتبقى من شبكة الأمان الإجتماعية التي عمل الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت على تأسيسها إثر أزمة(1929-1933) والتي عرفت بأزمة إنهيار بورصة وول ستريت أو الكساد العظيم.
وقد شاهدت فيديو لخبير إقتصادي أمريكي يدعى Brian S. Wesbury وهو يلقي محاضرة عن الأسباب الحقيقية للأزمة الإقتصادية (2007-2008) حيث كان أحد أصدقائي ممن يعرفون أن لي إهتمامات إقتصادية قد أرسل لي الفيديو وطلب رأي في المحتوى. وبعد البحث والتدقيق في الخلفية المهنية للخبير الإقتصادي برايان ويسبري فقد تبين لي أنه يعمل محللا إقتصادية في مجموعة قنوات تلفزيونية تمثل الإتجاه اليميني المحافظ ليس فقط في السياسة بل في الإقتصاد خصوصا مجموعة قنوات (Fox News) و (Fox Business). في ذالك الفيديو, قام برايان ويسبري بإستعراض مجموعة من الرسومات البيانية كدليل على صحة وجهة النظر التي يتبناها والتي يمكن تلخيصها بان الحكومات هي من يتحمل مسؤولية أزمة الرهون العقارية(2007-2008) والتي كانت على وشك ان تأخذ الإقتصاد العالمي وليس فقط الأمريكي إلى الهاوية لولا تدخل منسق بين عدد من حكومات العالم خصوصا الولايات المتحدة, كندا, ألمانيا وفرنسا وضخ مئات المليارات على شكل حزم مالية في محاولة لإنقاذ الإقتصاد وإبعاد شبح إنهيار 1929. المبادئ التي يؤمن بها Brian Wesbury لم تخرج عن نطاق مدرسة شيكاغو الإقتصادية والتي إتخذت من جامعة شيكاغو في الولايات المتحدة مقرا لها حيث يعد ميلتون فريدمان والذي حاز جائزة نوبل في الإقتصاد أبرز منظريها. المشكلة أن مبدأ "دعه يعمل, دعه يمر"  أو كما ورد في كتاب "ثروة الأمم" لأدم سميث مصطلح Laissez-faire وهو مبدأ رئيسي نادى به ميلتون فريدمان وتلاميذه لم يعد يعمل إثر الأزمات الإقتصادية المتوالية والتي بدأت بالخروج على السيطرة من المستوى المحلي بداية من أزمة 1929-1933 حتى أزمة 2007-2008 والتي كادت أن تؤدي بالإقتصاد العالمي إلى الإنهيار الكامل.
إن برايان ويسبري قد جانب الصواب في تحليله للأسباب التي كادت أن تدفع بالإقتصاد العالمي للإنهيار خلال الأزمة التي لعبت الرهون العقارية متدنية الجودة(Subprime Mortgage loan) دورا رئيسيا فيها. ولعل جهود كبريات البنوك والمؤسسات المالية في وول ستريت ولوبيات الضغط والمصالح التي تتبع لها بتعديل القوانين التي تحكم المعاملات المالية والمصرفية خصوصا المضاربات في أسواق الأسهم والسندات والمشتقات المالية قد حققت نجاحا رئيسيا سنة 1999 حين قام الرئيس الأمريكي بيل كلينتون بإلغاء قانون جلاس-ستيجال والذي يمنع البنوك التجارية من المضاربة بأموال المودعين في نشاطات إقتصادية مشبوهة. كما أن مابدأ بأزمة الرهون العقارية في الولايات المتحدة وإنتهى إلى أزمة إقتصادية على المستوى العالمي وذالك بسبب تشابك الأسواق الإقتصادية والمالية حيث ظهر على هامش الأزمات الإقتصادية المتلاحقة مصطلح أكبر من أن يفشل(Too Big To Fail) فقامت الحكومة الأمريكية وحكومات دول أخرى بتقديم حزمات إنقاذ مالية لتلك المؤسسات المتعثرة تم تمويلها من جيوب دافعي الضرائب. في الولايات المتحدة سميت حزمة الإنقاذ المالية إختصارا بإسم تارب(TARP- Trouble Asset Relief Program) حيث بلغت مبدئيا 700 مليون دولار  ولكن ذالك لا يشمل المساعدات التي تم تقديمها لبعض المؤسسات المالية المتعثرة في الفترة التي سبقت إقرار حزمة التحفيز الإقتصادية TARP. كبار المسؤولين الماليين والمدراء التنفيذيين في تلك المؤسسات قاموا بمنح انفسهم حوافز مالية ضخمة قدرت بأكثر من 20 مليار دولار وذالك على الرغم من فشلهم وإفلاس عدد كبير من البنوك والمؤسسات المالية حيث تم تفكيك بعضها ووضع البعض الأخر(تأميم) تحت السيطرة المباشرة للحكومة الأمريكية. تلك البنوك والمؤسسات المالية خصوصا في وول ستريت هي المسؤولة عن الأزمات المالية وهي التي اوصلت الإقتصاد العالمي إلى حافة الإنهيار خلال أزمة 2007-2008 بسبب سلوكياتها الغير مسؤولة.
إن أغلب المسؤولين الحكوميين المسؤولين عن الإقتصاد الأمريكي والموظفين المؤثرين في البيت الأبيض لهم قدموا من مؤسسات وبنوك وول ستريت خصوصا بنك غولدمان ساكس حيث كان يعمل هنري بولسن كأحد أكبر المدراء التنفيذيين قبل تسلمه منصبه كوزير للخزانة في عهد الرئيس جورج بوش الإبن, كما ان تيموثي جيثنر كانت له خبرة في مكاتب الإستشارات المالية والتمويل في وول ستريت قبل أن يشغل منصب وزير الخزانة في عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما. وحاليا يعمل عدد من كبار المدراء التنفيذيين ورجال جولدمان ساكس في إدارة الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب وهم Gary Cohn والذي كان يشغل منصب مدير العمليات في بنك غولدمان ساكس وتم تعيينه كبير المستشارين الإقتصاديين للرئيس الأمريكي وكمدير للمجلس القومي الإقتصادي(National Economic Council), Steven Mnuchin الذي عمل لمدة 17 عاما في بنك غولدمان ساكس حيث كان أخر المناصب التي وصل إليها هي مدير المعلومات في البنك ويشغل حاليا منصب مدير الخزانة, Dina Powell والتي تشغل حاليا منصب نائب مستشار رئيس مجلس الأمن القومي الأمريكي للشؤون الإستراتيجية وكبيرة مستشاري الرئيس الأمريكي للمبادرات الإقتصادية وعملت في السابق في إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن قبل أن تنتقل لتعمل في بنك غولدمان ساكس كمديرة تنفيذية وأحد الشركاء في البنك, Steve Bannon والذي يعد أحد كبار مستشاري الحملة الإنتخابية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب وشغل سنة 2016 منصب رئيس التخطيط الإستراتيجي(White House chief strategist) وعمل خلال فترة الثمانينيات 1985 في بنك غولدمان ساكس وأخيرا Anthony Scaramucci الذي عمل في بنك غولدمان ساكس قبل أن يتم طرده منه وإعادة توظيفه في قسم المبيعات قبل أن يترك العمل في البنك سنة 1996 حيث كان يشغل منصب مدير إدارة صناديق الثروة(Wealth Management).
إن كل ماسبق ذكره قد دفع الصحفي John Kehoe لكتابة مقال في صحيفة فاينانشيال ريفيو(Financial Review) الرصينة بعنوان "Goldman Sachs Take Over Trump White House." وعند هذه النقطة علينا أن نتوقف ونسأل سؤالا له مغزى: ماهو المستفيد الحقيقي من حزمة الإنقاذ المالية ومشروع TARP؟ الإجابة على الأقل بالنسبة لي أكثر من واضحة فبنك غولدمان ساكس هو المستفيد الرئيسي من حزمة الإنقاذ الحكومية وحيث أن وزارة الخزانة والجهات المسؤولة في الولايات المتحدة لا تستطيع تقديم الأموال لبنك واحد حيث سوف يثير ذالك العديد من التسائلات فقد خرجت فكرة (TARP) إلى حيز الوجود. وأنا متأكد أنه عند تدقيق الأرقام والحسابات فسوف يتم إكتشاف أن بنك غولدمان ساكس قد حقق خسائر على أرض الواقع أكبر من الأرقام المعلنة بكثير وذالك بسبب إختلاف الطرق التي يتم بواسطتها إحتساب قيمة ادوات مالية مشكوك في صحتها كالتي كانت السبب في أزمة الرهون العقارية 2007-2008. وما ينطبق على بنك غولدمان ساكس ينطبق على جميع البنوك الأخرى التي تسببت خدع محاسبية وتلاعب في الدفاتر لتكبدها على أرض الواقع خسائر أكبر من المعلن عنها نتيجة إنكشافها على أدوات مالية غير خاضعة للرقابة الحكومية أو أن الرقابة عليها ضعيفة كالمشتقات المالية(derivatives). وكما يعلم الجميع فإن تلك الأدوات المالية التي تستند على قروض الرهون العقارية منخفضة الجودة والمشتقات المالية وعقود المستقبليات والتي توصف بأنها مسمومة(Poisonous) ما يعني أنه مشكوك في صحتها خصوصا أنه قد تبين أن وكالات التصنيف الإئتمانية في الولايات المتحدة كموديز وستاندرز أند بورز كانت تمنح تصنيفات إئتمانية مرتفعة(AAA+) لأادوات مالية مستندة على قروض الرهون العقارية بما يعني أنها مرتفعة الجوة(Prime) بينما هي في الحقيقة منخفضة الجودة(Subprime) تستحق تصنيف(BB+) أو أقل من ذالك.
إن الإقتصاد العالمي معقد ومتشابك بطريقة تثير الدهشة بقدرة أي شخص مهما بلغت من الدرجات العلمية والألمعية على فهمه وتفسيره. حتى أنه نقل عن صانع السيارات الشهير هنري فورد قوله: "إنه من الجيد أن شعب هذه الأمة(الولايات المتحدة) لا يفهم نظامنا النقدي والمصرفي, لأنهم لو فعلوا ذالك أعتقد أنه سوف تكون هناك ثورة قبل صباح الغد." حتى أنني أتسائل, وقد أكون أو من يقوم بذالك, عن الخطوة التي قامت بها حكومة الولايات المتحدة وحكومات العالم بتقديم حزم إنقاذ مالية من أموال دافعي الضرائب لكبريات البنوك والمؤسسات المالية لكي يمنح كبار مدرائها وموظفيها حوافز مالية كمكافأة لأنفسهم على فشلهم الذريع والتسبب بأكبر أزمة مالية وإقتصادية حتى تاريخه. لماذا لم تقم حكومات العالم بكفالة الضحايا الحقيقيين لتلك الأزمة وليس من كان السبب بها خدمة لمصالح انانية ضيقة؟ لماذا لم تقم حكومة الولايات المتحدة, وهنا أستخدم أقل الأرقام تفائلا, بتقديم 700 مليار دولار كلفة مشروع TARP حيث يمكنها إنقاذ 3500000 شخص معرضين لفقدان منازلهم مع إفتراض متوسط القرض المطلوب سداده هو 200 ألف دولار أمريكي فتكون بذالك قد أنقذت البنوك عن طريق إنقاذ أصحاب القروض أنفسهم وفق شروط معينة منها سداد ملاك المنازل لقيمة القرض الحكومي بدفعات مالية ميسرة للغاية ومع سعر فائدة منخفض كالذي يمنح لمؤسسات المضاربات المالية التي تقترض الأموال بسعر فائدة يقترب من الصفر لتقوم بواسطتها بالمضاربة في أسواق الأسهم والسندات والأدوات المالية ثم تطلب من الحكومة إخراجها من ورطتها بواسطة أموال دافعي الضرائب. المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عبرت أمام مجموعة قمة العشرين والتي عقدت في مدينة تورنتو الكندية عن قلقها حيال تلك المشكلة حيث وأنها بعد ان إستعرضت رأيها في وجود تناقض بين مصالح عالم المال وعالم السياسة, فقد قالت: "لايمكن أن نشرح بإستمرار لماذا يتحمل دافعو الضرائب تكلفة مخاطر معينة وليس أولئك الأشخاص الذين كسبوا الكثير من المال نتيجة خوضهم غمار تلك المخاطر."
وفي ختام الموضوع, فإنه هناك مسألة لايمكن إنهاء هاذا الموضوع من دون المرور عليها ولو سريعا, وهي أن الإقتصاد يجب أن لايكون معقدا ومتشابكا عبارة عن جداول وقوائم ورسومات بيانية وأقل القليل من النصوص الكتابية التي تشرح مشكلة إقتصادية بطريقة واقعية وكيف يمكن إيجاد الحلول لها. في فيديو محاضرة الإقتصادي Brian S. Wesbury والتي كانت السبب في كتابة هاذا الموضوع, سوف يتم وضع رابط لها في نهايته, قام بإستخدام رسومات وبيانات إحصائية وجداول أشك في أن 1\10 من المستمعين لمحاضرته القصيرة فهم شيئا منها والهدف منها ملخصه عبارة "الحكومة هي المسؤولة عن أزمة 2007-2008 وليس البنوك والمؤسسات المالية." إن تلك الأدوات المالية كالمستقبليات والرهون العقارية والمشتقات المالية تعتبر كارثة حقيقية على الأقتصاد الأمريكي وبالتالي العالمي لأن أغلبها مقوم بالدولار الأمريكي وبلغ حجمها أرقاما خيالية فاقت كديرليون دولار وهي أرقام كانت توصف في السابق بأنها خيالية ولكنها الأن حقيقة على أرض الواقع لا بد من التعامل معها. الكاتب والمحلل الإقتصادي الشهير جيمس ريكاردز قام بالتحذير في عدة مناسبات من أن يتم إستخدام تلك الأدوات المالية المخادعة(Pseudo) في هجمات مالية منسقة تصيب الإقتصاد الأمريكي بالشلل الكامل وإنهيار الحكومة الأمريكية وإضعاف الولايات المتحدة الأمريكية بدون أن يتم إطلاق رصاصة واحدة أو صاروخ واحد من قبل خصومها, بينما نسي هو نفسه أن تلك الأدوات المالية هي إختراع أمريكي وعلى يد إقتصاديين أمريكيين ليس بينهم أجنبي واحد.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية

No comments:

Post a Comment