Flag Counter

Flag Counter

Saturday, February 4, 2017

ماهي العواقب المحتملة لإنهيار قيمة الدولار وفقدان مركزه كعملة إحتياطية عالمية؟

زوال مركز الدولار الأمريكي كعملة إحتياطية عالمية هو أكثر من مجرد زوال عملة ورقية أو إنخفاض قيمتها بشكل كبير فيما يعرف بالسقوط الحر لأنه بزواله فسوف يزول معه النظام المالي العالمي كما نعرفه في وقتنا الحالي وسوف تتشكل ملامح نظام مالي جديد. إن ذالك كاد أن يحصل سنة 1978 حيث إنخفض مؤشر الدولار في بنك الإحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى مستوى غير مسبوق حتى أن وزارة الخزينة إضطرت إلى إصدار سندات مقومة بالفرنك السويسري وليس بالدولار.
في الفترة الممتدة من سنة 1977 إلى 1981 فإن الدولار الأمريكي قد خسر أكثر من 50% من قيمته الشرائية مما أدى إلى زيادة التضخم بنفس النسبة في الولايات المتحدة. صندوق النقد الدولي وجد نفسه مضطرا لإصدار 12.1 مليار(SDR) وحدة من حقوق السحب الخاصة لتوفير السيولة للأسواق العالمية حيث خسر الدولار مركزه وفقد ثقة المستثمرين وحتى الأشخاص العاديين به. سعر الذهب إرتفع 500% في الفترة 1977-1980 وفك إرتباط الدولار بالذهب سنة 1971 الذي بدأ كعملية مدروسة بأثار جانبية محدودة قد تحول إلى فوضى.
ماهي العواقب المحتملة لإنهيار قيمة الدولار وفقدان مركزه كعملة إحتياطية عالمية؟
لن نذهب بعيدا في الإجابة على ذالك فأفلام هوليود التي قد يظن البعض أنها للتسلية ولا تحمل رسالة معينة أو خطة عمل مستقبلية ذكرت أن إنهيار قيمة الدولار سوف ينتج إنهيار البنوك, فوضى مالية وإضطرابات على المستوى العالمي.
إن ذالك ليس أمرا بعيدا عن الواقع فأغلب السندات والأسهم والأدوات الإستثمارية والسلع والخدمات مقومة بالدولار كما أن قيمة عملات الكثير من البلدان مرتبطة بسعر صرف الدولار وإنهيار الدولار يعني سقوط كل ماسبق ذكره من أدوات مالية مقومة بالدولار أو عملات مرتبطة به. المستثمرون سوف يصيبهم الذعر ويهرعون لبيع كل مابحوزتهم, البنوك سوف تشهد طوابير المودعين الراغبين في سحب أموالهم ومحطات الوقود وتجارة التجزئة سوف نشهد إزدحاما غير مسبوق. تخيلوا ماحصل في إنهيار وول ستريت سنة 1929-1933 مع الفرق أن الكارثة القادمة سوف تكون من حيث الحجم والمستوى تجعل كل ماسبقها كنقطة ماء في بحر.
وحتى نتعرف على التأثير المدوي لإعلان الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون سنة 1971 فك إرتباط الدولار بالذهب فيكفي أن نعلم عن الإحراج الذي أصاب السياح الأمريكيين في الخارج خصوصا في أوروبا حيث بدأ الكثير من أصحاب الفنادق والمطاعم والأماكن السياحية برفضهم قبول الدولار الأمريكي لدفع الحساب والكثير منهم طالب السياح بالذهب بدلا من الدولار كوسيلة للدفع. هم كانوا جادين للغاية ولم يكونوا يمزحون.
محافظ بنك الإحتياطي الفيدرالي بول فولكر(Paul Volcker) والرئيس الأمريكي المنتخب حديثا رونالد ريجان بذلا جهودا ناجحة من أجل السيطرة على الموقف المنفلت والذي بدأ ينذر بكارثة على المستوى العالمي. بول فولكر قام برفع سعر الفائدة 18% سنة 1981 وذالك لتحقيق هدفين بضربة واحدة. الهدف الأول هو السيطرة على التضخم بإمتصاص السيولة من الأسواق المالية المحلية والعالمية أما الهدف الثاني فهو إستعادة الثقة بالدولار. الرئيس ريجان قام بإصدار تشريعات متعلقة بتخفيضات ضريبية مما جعل الولايات المتحدة بلدا جاذبا للإستثمارات مرة أخرى. الجهود المبذولة كانت أكثر من ناجحة حيث إرتفع مؤشر الدولار الأمريكي في بنك الإحتياطي الفيدرالي 50% بحلول مارس\1985 مقارنة بأكتوبر\1978, سعر الذهب شهد إنخفاضا بقيمة 60% من المستوى السعري لسنة 1980 كما أن الأهم هو أن مستوى التضخم قد إنخفض من 13.5% سنة 1980 إلى 1.9% سنة 1986.
ومنذ أن خيمت الأزمة المالية 2007-2008 بظلالها على الأسواق المالية في الولايات المتحدة والعالم وبحلول سنة 2011 فإن أعراض أزمة 1978 بدأت بالظهور مرة أخرى. مؤشر الدولار في بنك الإحتياطي الفيدرالي إنخفض إلى مستوى أعلى بنسبة 4% من مستواه سنة 1978. صندوق النقد الدولي(IMF) قام بإصدار 310 مليار وحدة من حقوق السحب الخاصة بتاريخ  2009 مما أدى إلى زيادة نسبتها 850% كما سعر الذهب قد إرتفع إلى 1900 دولار للأونصة وهو سعر أعلى بنسبة 200% من المستوى السعري سنة 2006. الحكومة الأمريكية قام بإقرار حزمة تحفيزية بمبلغ مبدئي 700 مليار دولار وذالك في محاولة لإنقاذ مايمكن إنقاذه ومنع مؤسسات مالية ومصرفية وشركات تأمين عريقة من الإنهيار حيث من الممكن أن يؤدي ذالك بداية أسوأ أزمة مالية عرفها العالم حتى عصرنا الحالي وهي التي يقال عنها أزمة الأزمات.
أحد أثار إرتفاع أو إنخفاض قيمة الدولار الأمريكي هو تأثيره على معدلات التضخم حتى على المستوى العالمي خصوصا للدول الفقيرة والتي سوف تعاني من إرتفاع فاتورة الطاقة الخاصة بها مما يؤدي إلى إرتفاع تكلفة كل سلعة وكل خدمة تقريبا. المعايير التي يتم بواسطتها قياس نسبة التضخم قد تختلف من بلد إلى أخر ولكن في الولايات المتحدة فإن أهمها وهو المعتمد رسميل يسمى مؤشر سعر المستهلك(Consumer Price Index) ولكنه لم يتزحزح من مكانه تقريبا منذ سنة 2008. ولكن لو ألقينا نظرة أكثر واقعية على طرق أخرى تستخدم لقياس نسبة التضخم خصوصا في الفترة التي سبقت سنة 1990 وقارنا المعلومات بالمؤشرات التي تستخدم حاليا لوجدنا أن نسبة التضخم السنوي ليست 2% بل 9%. إن تلك المعلومات ليست محصورة برجال المال والأعمال أو مدراء البنوك المركزية او وزراء المالية, أي فرد عادي سوف يحس بالفرق حين يقوم بشراء حليب لأطفاله أو دواء أو يدفع فاتورة الكهرباء أو الماء. كما أن أي مشرف حسابات أو مدير في أحد محلات التجزئة يستطيع إخبارك بإرتفاع أسعار السلع أو إنخفاضها في متجره.
يفضل الكثير من الإقتصاديين التضخم (Inflation) على الكساد (Deflation) لمجموعة أسباب أولها أن التضخم يرفع أسعار الأصول المالية والعكس بالنسبة للكساد. ثاني تلك الأسباب هو أن التضخم يزيد العائدات الضريبية بينما الكساد يزيد القوة الشرائية للفرد بدون أن تتمكن الحكومة من فرض ضرائب على ذالك حيث أن القوة الشرائية للفرد تختلف في حالة التضخم عما إذا كان الإقتصاد يعاني من الكساد. السبب الثالث له علاقة بمستوى الدين العام الذي يمكن دفعه بعملة متضخمة بطريقة أسرع من الطرق الإعتيادية.
إن السياسات الإقتصادية التي تفضل التضخم على حساب الدورة الإقتصادية الإعتيادية هي سياسات كارثية. المسؤولون في بنك الإحتياطي الفيدرالي الأمريكي محتارون في سبب تأخر التضخم خصوصا مع تضخم الكتلة المالية 400% بسبب برنامج التيسير الكمي(QE) وبرنامج شراء السندات منذ سنة 2008. هناك تفسيران لذالك أولهما أن الإقتصاد الأمريكي متداعي  بطريقة يتعذر إصلاحها أو الإقراض المنخفض الفائدة وضخ السيولة في الأسواق المالية بطرق مختلفة قد عجز عن إحداث التغيير المطلوب. أما التفسير الثاني هو أن التضخم قادم لا محالة ولكن الأسئلة المتعلقة بالتوقيت ومستوى ذالك التضخم, هل سوف يتحول إلى تضخم مفرط؟, تبقى بلا إجابة.
هناك حضارات قد إنهارت وهناك إمبراطوريات قد إنهارت حيث كان السبب الرئيسي للإنهيار التلاعب بقيمة العملة وفقدان ثقة الناس بها. الإمبراطورية الرومانية إنهارت تحت تأثير التلاعب بقيمة عملتها عن طريق تقليص وزن الذهب النظام المالي إنهار قبل ذالك في ثلاثة مناسبات رئيسية سنة 1914و 1939 و1971. وقد تكون كلمة الإنهيار بحد ذاتها كلمة لها دلالات كارثية ولكنها في الوقت نفسه كارثية. إنهيار عملة بلد ما هو ببساطة فقدان ثقة مواطني ذالك البلد بعملتهم ويكون ذالك عبر إنفاقها بشكل متسارع أو شراء أصول ثابته كالذهب أو المنازل أو أية ممتلكات أخرى. إن ذالك سوف يؤدي إما إلى الكساد أو إلى التضخم الذي قد يتحول إلى تضخم مفرط وتلك كارثة بكل المعايير يحاول الجميع تجنب الحديث عن إحتمالية حدوثها.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية

No comments:

Post a Comment